
مشاعر مُسْتَهلكة
بقلم : د. داليا مجدى عبدالغنى
ما لا يُدركه الكثيرون أن المشاعر أيضًا تُسْتَهلك ، مثلها مثل الكثير من الأشياء التي تنفذ إما بكثرة ، أو بسوء الاستهلاك ، فالإنسان عندما يترك لمشاعره العنان دون قيد أو شرط ، يجعلها مشاعر مُستهلكة ، لا يمكنها الصمود والتواصل ؛ لأنها أُنْهِكَتْ من شدة الاستعمال الخاطئ ، فللأسف ، رغبة الإنسان في التعايش مع الحياة بكل لحظاتها ، من حب وكراهية ، وضعف وقوة ، وكافـة المشاعر التي يصعب حصرها ، تجعله في النهاية ، يكتشف أن مشاعره باتت مُنهكة القوى ، وقد اعتراها ألمًا ، لا يقل في شدته عن آلام الأمراض الخبيثة .
ولكن ، تُرى ما الدافع وراء تدمير الإنسان لنفسه ذاتيًا ؟! فهل يُمكننا أن نقول أنها عُدوانية ، فلا أظن أن العُدوانية يمكن أن تُؤذي صاحبها ، إلا مع شخص مُختل عقليًا ، أم أنه عمى بصيرة ، فهل يُمكن لإنسان أن يعيش أعمى البصيرة طيلة حياته ، حتى يُنهك مشاعره تمامًا .
قطعًا ، هناك سبب وراء كل هذه التصرفات ، ولكن أيًا كان السبب أو الدافع ، فالمحصلة النهائية ، أن الضحية هي قتل أجمل ما يُميز الإنسان وهي مشاعره ، التي لا يُمكن أن تُقَدَّر بثمن .
ورغم ذلك ، أظن أن السبب الرئيسي مُتمركز في الخوف ، فالإنسان عندما يُقبل على أي تجربة تستأهل استعمال مشاعره ، فهو في الحقيقة يُقبل عليها خشية فُقدان لحظات دفء يتمنى أن يتعايشها ، حتى لو كان في قرارة نفسه على يقين من فشلها ، ولكنه يظل آملاً أن تأتي الحياة بمعجزة حياتية تنتشله من الشعور بالضياع ، ولكن طالما أن للحياة حسابات منطقية ، فبالتبعية تأبى أن تُساير وجدانه وتأتى بالمعجزة الحياتية ، وتبوء تجربته بالفشل ، والفشل يُورث فشلاً آخر ، والمشاعر هي التي تدفع الثمن ، فتارةً تبكي ، وتارةً تصرخ ، وتارةً تنزف ، وهكذا حتى تتحجر أو تموت ، وتُصبح في النهاية مُجرد مشاعر مُسْتهلكة لا تصلح للاستهلاك العاطفي .