
أمل حجازي
الجميلة والوحش
بقلم : أمل حجازي
تلك القصة الكلاسيكية الرائعة التي تشكلت معها طفولتنا، القصة التي طالما تطلق بخيالك العنان معها فتفكر وتتأمل في معان سامية تحملها الحياة؛ الجمال والحب. فتتجسد في القصة أسمى معاني الحب، الحب الذي يخترق كل الحواجز وكل ما هو قبيح ليخرج أجمل ما فيك، فكيف لوحش أن يعرف معنى الحب؟ كيف تتوقع الجميلة أن يكون هذا القبيح بكل هذه الطيبة وبكل هذه الوداعة برغم قسوة منظره الخارجي التي فرضت عليه أن يكون غليظا في تعامله مع كل الناس، فينفضوا جميعا من حوله خوفا ورهبة، لكن وحدها هي من ترى كل ما يخفيه هذا المخلوق الذي يحمل بابا سريا في قلبه ملكت هي مفتاحه فقط عندما وقعت في حبه، وعندها تغير كل شيء!
قد تكون هذه احدى قصص ديزني الخيالية الحالمة، ولكنها تقدم لنا وجبة دسمة من الدروس الغنية بالفائدة والسعادة والجمال.
شاهدت الفيلم مع صديقاتي الأسبوع الماضي في السينما فتجددت المشاعر بداخلي وألهمتني فكرة الفيلم بكتابة هذا المقال، ليس لأناقش بالطبع فكرة الفيلم التي نعرفها جميعا، بل لأناقش معكم فكرة أعمق بكثير. لماذا تحملت الجميلة كل قسوة وغلاظة وقبح الوحش؟ لماذا تحملت حتى قبل أن تعرف أنه أمير مسحور منذ زمن بعيد من ساحرة ليست شريرة بقدر ما كانت تعلمه درسا ليعرف معنى الحب؟ ولو بعدنا قليلا عن الخيال هل يمكن أن يحدث هذا في الواقع فعلا؟
تذكرت قصة صديقتي التي عرفت أن زوجها يخونها، ولديها من الأدلة كل ما تريد لإدانته وتركه، ولكنها آثرت أن تسكت وتحافظ على بيتها وزوجها. وتوقعت أنا ثورة عارمة منها، أو تطلب الطلاق، أو حتى تقتله، ولكنها لم تفعل! ولما تعجبت سألتها: "ليه؟"...قالت لي: " مش هأهدم بيتي علشان نزوة وراحت لحالها "!! لم أصدق أنها مجرد نزوة، ماذا لو تكررت، ماذا لو هذا هو طبعه؟ ولكنها كانت تعرفه أكثر مني، تعرف ما يخفيه هذا الوجه القبيح الذي ظهر للجميع بعد الخيانة. تعرف هي أن تحته رجلا احبته وسامحته واعطته فرصة أخرى. أوليس هذا كافيا ليتبدل الوحش ويظهر وجهه الجميل ليحظى بهذه الجميلة؟؟
" كل قبح وجهه حسن" هكذا قال المتنبي. ولكننا دائما ما نبتعد عن كل قبيح دون أدنى محاولة لمعرفة جوهره الحقيقي الذي قد يحوي جمالا وسحرا يغطي على كل ما هو قبيح. ولكن السؤال الآن: هل بإمكاننا ذلك؟
حكى لي صديق عزيز حكاية مسجون مؤبد في قضايا متنوعة. ولأن قصة هذا الشاب بائسة للغاية فسأختصرها لكم. ولكن أولا هل ترونه قبيحا؟ بالفعل، جدا...!! فكيف لمسجل خطر أن يكون جميلا؟! ولكن ماذا لو عرفت أنه كان شخصا بسيطا "على باب الله" يجري وراء لقمة العيش الحلال التي تأتي يوما وتختفي أياما، ثم تعرف أنه كان ضحية لأحد رجال الشرطة الفاسدين الذين استغلوا فقره وضعفه وحاجته وطالبوه بأعمال غير مشروعة لصالحهم. وفجأة ينهار العالم النظيف من حوله ليتحول فقط لعالم مليء بالقبح والبشاعة. فيتحول هو من رجل عادي بسيط إلى مجرم محترف. فيحكم عليه بالسجن المؤبد. ولكن زوجته كانت تعرف كم تعرض لضغوط وتهديدات من هؤلاء الوحوش الذين يستخدمون سلطتهم، ولكن توسلاتهما أبدا لم تفلح في أن يتركانه لحاله، ولم يرحمه أحد. وظلت بجانبه وقاومت أهلها الذين رفضوا بكل الأشكال ارتباط ابنتهم بهذا المجرم. فطالبوه بالطلاق وحرموه من أبنه الوحيد. ولكن الجميلة هنا لم تصمد كثيرا؛ كانت مضطرة لترك الوحش؛ ربما لأن الوقت تأخر كثيرا! ولأنه فعلا كان رجلا صالح، وقدره فقط هو الذي وضعه في طريق هؤلاء الأوغاد...مات في السجن قهرا وذلا!! ربما لم تنجح الجميلة هذه المرة في إنقاذ الوحش كما حدث في قصة الفيلم. فالواقع حتما أشد قسوة وظلما من الخيال. ولكن تتشابه القصتان كثيرا؛ فالأمير يتحول لوحش في القصة رغما عنه، والرجل البسيط يتحول أيضا لوحش رغما عنه، وفي الحالتين يواجه الوحش مجتمعا لا يري إلا القبح الذي يكرهه ويسعى للخلاص منه.
أعتذر لكم من قسوة تلك القصة السابقة، ولكن أحيانا بعض قصص الحياة الحقيقية تحوي من القبح والألم ما يفوق على عقولنا تصديقه.
وتتكرر قصص الجمال والقبح في الحياة. لتعطي لنا كل يوم درسا جديدا بألا ننخدع أبدا بالمظاهر، وأن ما يحويه الجوهر أهم وأجمل مما تحمله الملامح الخارجية. فكم مرة أطلقت حكما خاطئا على شخص لمجرد أن مظهره لم يعجبك؟ كم مرة شعرت بالخجل من نفسك حين يصدمك جمال أحدهم الداخلي؟ كم مرة خدعت بالمظهر وحاولت الهرب ولكن ما يلمع داخل قلبه يعيد النور لعينيك؟
يضع المجتمع على عينيه نظارة لا يرى بها جيدا للأسف، فيرى كل ما هو فوق السطح ويغفل جمال الداخل. يرى بها العيوب ويعد المساويء أولا. نحتاج جميعنا لعملية "ليزك" لتصحيح عيوب الإبصار؛ فإدخال بعض الضوء إلى داخل الروح سيكشف جمالا وسحرا يفوق خيالك.
قصة "الجميلة والوحش" تعلمنا أن المرء لا يولد قبيحا ابدا؛ نعم قد يتطلب الأمر منك صبرا وجهدا ولكن ما تحصل عليه في النهاية يستحق كل هذا التعب. أنها المنظومة الأكثر تعقيدا على الإطلاق؛ منظومة الحب والجمال. فكل ما تحبه روحك تعشقه حتما عيناك، وكل ما تراه جميلا يدق على أبواب قلبك بدون استئذان. الجمال والحب، قيمتان كبيرتان، فما أجمل أن يكون منظورك للحياة من خلال الحب لا الكره. الحب يصنع الجمال. الحب يصنع المعجزات.