
مودي حكيم
مؤثرو اليوم.. ومؤثرو زمان "1"
بصرف النظر عن انتفاضة الأيام الماضية ضد إحدى منصات التواصل الاجتماعي، والمطالبة بحظرها، وتحرك الأجهزة الأمنية بالقبض على صُناع محتوى هذا التطبيق، ومع ظهور عدد كبير منهم أصبح مؤثراً، فاستقل بذاته، وأصبح كل فرد منهم محطة إعلامية قائمة بذاتها يقدم فيها ما يحلو له لجذب مزيد من جمهور الجيل القادم، وإحداث تأثير عليهم يتبنى أفكارا وسلوكيات معينة. فقد أصبح الأمر يؤثر سلباً على الأداء اليومي والمهني للأفراد، وطبيعة القيم، والعادات والتقاليد، بل شكل النظام السياسي والاقتصادي.
عند تصفح المحتوى في مواقع TikTok وInstagram وYouTube.. يبدو الأمر كما لو أن المؤثرين في كل مكان، اختراع حديث تمامًا، فالمؤثرون الأصليون لم يصنعوا مقاطع فيديو فيروسية، بل كانوا يسيطرون على البلاط الملكي، ويبهرون المجتمع الراقي، ومتابعيهم من الطبقات البسيطة، ويشكلون الإمبراطوريات منذ قرون.
يختلف المؤثرون اليوم والشخصيات التاريخية اختلافًا كبيرًا في طبيعتهم وتأثيرهم، على الرغم من تأثير كلٍّ منهما على الجماهير. يركز المؤثرون في المقام الأول على الترويج للمنتجات أو أنماط الحياة، غالبًا بدافع المصالح التجارية، بينما تُعرف الشخصيات التاريخية بتأثيرها على المجتمع أو السياسة أو الثقافة، غالبًا من خلال أفعال أو أفكار شكّلت مسار التاريخ.
كما يختلف نطاق التأثير وطول أمده؛ فغالبًا ما يقتصر تأثير المؤثرين على جمهورهم الحالي، بينما يمكن الشعور بتأثير الشخصيات التاريخية لأجيال. عادةً ما يكون تأثير المؤثرين محدود النطاق، بينما يمكن أن يكون تأثير الشخصيات التاريخية بعيد المدى ومُحدثًا تحولًا.
المؤثرون يركزون بشكل أساسي على تسويق وترويج المنتجات أو الخدمات أو أنماط الحياة. مدفوعين بالمصالح التجارية، وغالبًا ما يحققون الربح من خلال شراكات العلامات التجارية والرعاية. فهم محدودون بجمهورهم الحالي، وغالبًا ما يُقاس التأثير بعدد المتابعين. قد يكون تأثيرهم كبيرًا من حيث سلوك المستهلك واتجاهاته، ولكنه أقل تأثيرًا بشكل عام على التغيير المجتمعي أو التاريخي الأوسع. منهم شخصيات وسائل التواصل الاجتماعي، والمدونون، ومستخدمو يوتيوب، والمشاهير الذين يستغلون وجودهم على الإنترنت لأغراض ترويجية.
أما مؤثرو الأمس من الشخصيات الفكرية والثقافية والفنية والعلمية، فتركيزهم على تشكيل الأحداث أو الأفكار أو المشهد الثقافي من خلال أفعالهم أو إنجازاتهم أو مساهماتهم. فهم مدفوعون بعوامل مختلفة، بما في ذلك الطموح السياسي، والإصلاح الاجتماعي، والتعبير الفني، أو المساعي الفكرية، وغالبًا ما يتجاوز المدى معاصريهم المباشرين، ويمتد تأثيرهم عبر الأجيال.
تأثير يمكن أن يكون عميقًا، يُشكل الأنظمة السياسية، والتقدم العلمي، والحركات الفنية، أو الأعراف الثقافية، فمنهم القادة السياسيون، والعلماء، والفنانون، والكتاب، والناشطون الذين تركوا بصمةً خالدةً في التاريخ.
الاختلافات الرئيسية تكمن في تأثير المؤثرين بشكل أساسي على خيارات المستهلكين واتجاهاتهم، بينما تؤثر الشخصيات التاريخية على المجتمع، والثقافة، أو مسار التاريخ، وغالبًا ما يكون تأثير مؤثري هذه الأيام مؤقتًا، ويرتبط بحضورهم الحالي على الإنترنت وحملاتهم التسويقية، في حين يمكن أن يستمر تأثير الشخصيات التاريخية لقرون.
وكما يقول المثل الشعبي "من فات قديمه تاه"، فمن يتجاهل ماضيه وتراثه، أو يتركه وراءه، فقد يضيع في حياته ويفتقد الاتجاه الصحيح، فلنتذكر معاً نماذج من الشخصيات التاريخية من الرجال والنساء المؤثرين، من الشخصيات البارزة التي أثرت في العالم، وكتبت صفحات التاريخ، وأثرت بشكل كبير في حياة الناس، ولا يزال الناس حتى يومنا هذا ينتفعون بما قدموه من اختراعات، ومبادئ، وعلم، وأسس للحياة البشريّة، شخصيات لا تعد ولا تنسى. منهم الكاتب المسرحيّ والشاعر الإنجليزي وليام شكسبير المولود في مدينة استراتفورد البريطانيّة، وتزوج وهو في الثامنة عشرة من عمره، وله ثلاثة أبناء، واعتبر أعظم كاتب مسرحيّ، حيث تعلم المسرح في مدينة لندن، ومن أشهر مسرحياته: أحلام منتصف الصيف، والليلة الثانية عشرة، ويوليوس قيصر، وهاملت، وتاجر البندقيّة، وريتشارد الثالث، وماكبث، القائد العسكري الفرنسي نابليون بونابرت الحائز على انتصارات كثيرة، وأيضاً أصبح المستشار الأول لعشر سنوات بعد أن عاد إلى فرنسا بعد فشل حملته على مصر، ثم لقب باسم الإمبراطور، وتوفي بعد أن كان يعاني من مرض سرطان المعدة، المخترع الأمريكي توماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي، صاحب الألف اختراع، ولم يتجاوز تعليمه في المدرسة إلا ثلاثة أشهر فقط؛ وذلك لأن المعلم وجده طفلاً متخلفاً عقلياً وبليداً، وبعد إنشاء مشغله الخاص ظهرت عبقريته؛ واخترع العديد من الأجهزة التي كان لها أثر كبير على البشرية وفي المرحلة الأخيرة من عمره أنتج الصور المتحركة الناطقة.
الفيلسوف الإغريقي أفلاطونولد في العام 427 قبل الميلاد في مدينة أثينا وأسرته غنيّة جداً، ويعتبر من أعظم آباء الفكر الغربي، لكن حكم عليه بالإعدام بتهمة إفساد عقول الشباب فترك المدينة، لكنه عاد إليها بعد فترة وأنشأ فيها مدرسة الأكاديميّة، وقد ألف أفلاطون ستة وثلاثين كتاباً أغلبها تحدثت عن الأخلاق، والسياسة، والإلهيات، وأمور ما بعد الطبيعة، ومن تلامذته الفيلسوف أرسطو، وتوفي في العام 347 قبل الميلاد وهو في عمر الثمانين عاماً.
سيمون بوليفار هو وطني أمريكي الجنسيّة، ولد في أمريكا الجنوبيّة، ولقب باسم جورج واشنطن أمريكا اللاتينيّة؛ وذلك لأنه حرر العديد من الدول الواقعة في قارة أمريكا اللاتينيّة منها بوليفيا، والأكوادور، والبيرو، وكولومبيا، وفنزويلا، قائمة لا تعد ولا تحصى يعرفها كل دارس للتاريخ.
سأتحدث عن شخصيات من القرنين الماضيين، رجالاً ونساء سيرتهم ملهمة للجيل الحالي قبل أن يلتهمه المتغير التكنولوجي مسيطراً، وسألقي الضوء عمن لا تدرس سيراتهم في الكتب المدرسية.
سأبدأها بقصة أندرو كارنيجي كواحدة من أهم القصص الملهمة.. وُلد أندرو كارنيجي بمدينة دنفر في ولاية بنسلفانيا الأمريكية. كانت بدايته المتواضعة تعكس الصعوبات التي واجهها في مرحلة الطفولة والشباب.
كان ينتمي إلى عائلة فقيرة، وعاش في منزل ضيق وظروف مادية صعبة. لم يتلقَ تعليمًا جيدًا وترك المدرسة في سن الثالثة عشرة، ليعمل مساعدًا في مطبعة. فقدّر “كارنيجي” قيمة التعليم والمعرفة، وطوّر نفسه بشكل ذاتي من خلال قراءة الكتب والمجلات في وقت فراغه.
قصة سنقرأها معا.