عاجل
الأربعاء 6 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
عذراء المشاعر

عذراء المشاعر

بقلم : أمل حجازي

    جاءتني حائرة، متعجبة تسألني وتطلب مشورتي، وكأنني أنا التي تعرف! سألتني صديقتي الحائرة التي تقدم لأبنتها عريس؛ ماذا تفعل مع ابنتها العروس الخائفة من كل شيء؟ هي حتى ليست عروس بعد، ولكن القصة مازالت في أولها. جاءتني تشتكي أبنتها التي تخشى الوقوع في الحب، تخشى من مشاعر جديدة قد تدق باب قلبها، تخشى من انجراف مشاعرها في هوة المجهول الذي لا تعرف عنه شيء. في الحقيقة، لم أكن أنا أقل "استغرابا " من صديقتي؛ فقد توقعت أن في العصر الذي زادت فيه الفتن من كل جانب، ومع جيل تعرض لأبشع أنواع انتهاك للبراءة عن طريق غول التكنولوجيا وإدمان السوشيال ميديا، أنه لم يعد هناك مكانا لمثل تلك البراءة!




  قررت أن أتفلسف قليلا وأحاول مساعدة صديقتي الحائرة وابنتها الجميلة، وأشاركم معي بما توصلت إليه.  كل فتاة مقبلة على الزواج يشترط بالطبع أن تكون بكر رشيد، عذراء، لم يلمسها أحد. ولكن ما أجمل الفتاة التي تتحلى ايضا ب " عذرية المشاعر"! تلك التي تتعرف على قلبها لأول مرة، قلبها الذي كانت تعرف أنه يدق فقط لتحيا، ولكنه الآن يدق لترتبك، يدق لتشتاق، يدق لتحتار، يدق ويدق ويدق لتزيد الضربات في كل مرة بينما تقع هي أكثر في الحب.


 عليها أن تخشى بالفعل من المجهول؛ فكل ما هو آت غير معروف وغير معلوم المصدر؛ فالحب يأتي، ويأتي معه كل القلق، كل الخوف، كل الغيرة، كل الفرحة، كل العذاب، وكثير من الحنين والشوق. هو كل تلك الأشياء " الملخبطة " التي نعشقها جميعا، ومن أجلها يكون الحب إدمان لذيذ صعب الإقلاع عنه.


  عليها أيضا أن تخشى على نفسها من الجنون؛ فكل ما يحدث بأسم الحب يعد دربا من دروب الجنون البين! فعندما لا تكفيك ساعات اليوم فتسهر الليالي وتنسى النوم والأحلام لأن الواقع بات أجمل الآن بوجود حبيبك. عندما تكون بالقرب من حبيبك الذي لا تفصلك عنه إلا بضعة سنتيمترات ولكنك مازالت مشتاقا إليه، أليس هذا جنونا؟ عندما تحب سترى الدنيا بتفاصيل جديدة؛ فتشتاق لنور الشمس لترى حبيبك، ولكنك في نفس الوقت قد تطلب من الليل" يطول شوية" لأنك لم تشبع من الحديث معه، أوليس هذا أجمل "جنان"؟ أولم تفقد عقلك مع أول كلمة " بحبك"؟ أو لم تدور بك الدنيا عندما لمست يديه؟ أو لم تتلعثم، وتنسى كل الكلمات عندما قابلت عينيه؟


   سيكون عليها الاستعداد لمواجهة غزو مشاعر وليدة تسطو على قلبها فتحتل كل خلاياه. ولأن هذا الاحتلال سيبدل حياتها فعليها أن تعرف أنه لا عودة أبدا للوراء. فعندما تتسلل تلك الاحاسيس الدافئة إليها ستسري ذبذبات كهربائية لسائر أعضاء الجسد، وسيعلن قلبها الاستسلام التام وتنفض عذرية مشاعرها للأبد، ولكن وحده الحب الحقيقي هو القادر على كل ذلك.


  قلت لها أن أجمل ما في الأمر أن تترك كل الأمور تسير كما يحلو لها.


 قلت لها أن كل ما عليها أن تفتح باب قلبها المغلق رويدا رويدا، ولو كان الحب صادقا سوف ينجح في التسلل إلى دهاليز قلبها الوعرة.


 قلت لها أن عقلها سيتورط أيضا في هذه المؤامرة مع قلبها. ستتآمر كل الأشياء على مشاعرها، وستتحرك المياه الراكدة من الأحاسيس لتصب في نهر الحب.


قلت لها أننا جميعا وقعنا في الحب، بل وغرقنا حتى أذنينا مع كل فيلم رومانسي، مع كل أغاني الحب، وكل كلمات العشق التي تملأ الكتب؛ ولكن يظل الحب على أرض الواقع الأكثر إثارة من كل ما سبق.


قلت لها كم أعشق براءتها هذه التي لم يعد يجود بها زماننا، وتذكرت معها أيام قديمة عشتها وأنا في مثل سنها وكم هي تشبهني!


قلت لها كم جميل أن تتحلى الفتاة ب "عذرية المشاعر" حتى تجد من يستحقها.


قلت لها ألا تخجل أبدا من حياءها وأخلاقها الجميلة فتلك صفات محظوظ من يعثر عليها هذه الأيام.


قلت لها مهما نضجت إياك وأن تفقدي تلك البراءة الملائكية. ابقي على الطفلة الصغيرة بداخلك طوال الوقت؛ فتلك أنوثة خاصة يعشقها الرجال.  


قلت لها أنه ليس شرطا أبدا أن يخفق قلب كل امرأة على ذمة رجل بهذه المشاعر وتلك الأحاسيس، فكثير من النساء يعشن ويمضي قطار العمر دون أن يداعب الهوى قلوبهن أو يعبث الغرام بعقلوهن!   


وفي النهاية، تمنيت لها السعادة من كل قلبي. وتمنيت أن تتذكر كلماتي تلك وتنتفع بها. وأنتم كذلك!
       

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز