عاجل
الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"الجهاديون الجدد".. مخلب قط

"الجهاديون الجدد".. مخلب قط

بقلم : محمد عبد السلام

علمونا في المدارس أن الجهاد في سبيل الله مفهوم إسلامي معناه تحرير الأرض والعرض وحماية المال وصد العدو عن جميع أراضي المستضعفين، قديما ضحكوا علي عقولنا الصغيرة عندما زرعوا بها زعماً مفاده أن الجهاد الحقيقي علي أسوار القدس لتحرير المسجد الأقصى من الدنس الصهيوني، أو حتي تحرير الشيشان من العبث السوفيتي.



اليوم أصبح الجهاد عنواناً لقتل المسلمين بعضهم البعض لمجرد الاختلاف في الرأي، أصبح عنوانا لمصالح شخصية لا تخدم إلا الغرب وإسرائيل الذي لعب علي وترها ما يسمي بالجهاد، أصبح جهاداً يقتل فيه المسلم أخاه المسلم، يقتل فيه الجهاديون العرب أخيهم العربي.

سبعون عام والكيان الصهيوني يغتصب أرضنا في فلسطين ولم يطالب الجهاديون الجدد بفتح باب الجهاد في القدس، سبعون عام والآلة العسكرية الإسرائيلية تنتهك أعراضنا وتستبيح دماء أبناءنا في فلسطين ولم يحرك الجهاديون الجدد ساكناً أمام بشاعة ما يفعلون، سبعون عام واليهود يدنسون باحة الأقصى، بل وأحرقوه عام 1968، ولم يعقد أئمة الدماء المقدسة مؤتمراً كالذي يعقدونه كل يوم لفتح باب الجهاد علي باب المدينة التي تهودت وأصبح إسمها "أورشليم".

كان الجيل الأول من الجهاديين يخرج في سبيل الله، ليعيد العدل ويرفع الظلم عن المسلمين في آي من بقاع الأرض، حتي لو حاربوا القوي العظمي، فقرأنا في التاريخ من تناجي الخليفة المعتصم "وا معتصمااااه"، الذي اقتحم من أجلها الإمبراطورية البيزنطية وحقق أعظم انتصار للمسلمين في عمورية، اليوم نفس تلك المرأة تُغتصب وتٌقتل كل يوم في فلسطين الجهاديون الجدد لا يتحركون.

حتي الجيل الثاني من الجهاديين، رغم انه كان لعبة في يد القوي العظمي يستغلها كيفما شاء، ويوجهها كيفما شاء، إلا انه كان يتحرك من منطلق جهل بمفهوم معني الجهاد للجهاد، فتم توجيهه الي ارض جديدة ليحارب فيها من اجل المسلمين، بعيدا عن مسلمي فلسطين، فوجهتهم القوي العظمي الجديد ممثلة في الولايات المتحدة الأمريكية الي الشيشان، ليس للجهاد في سبيل إنقاذ مسلميها، ولكن للجهاد ضد السوفيت، وإضعافه، في حرب صنفها المؤرخين علي أنها حرب الوكالة بين القوي العظمي.

"لم يسبق لى أن رأيت هذا الاستبداد الأمريكي الذى نشهده اليوم.. هناك حالة تآمر مباشر في دعم تنظيم داعش الإرهابي".. هل تذكرون تلك العبارة، صرح بها بكل جرأة كلا من "فيتالى تشوركين" سفير روسيا لدى الأمم المتحدة من اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي اعتراضا على وصف الولايات المتحدة دعوة موسكو لعقد اجتماع طارئ فى مجلس الأمن بأنها مجرد "خدعة"، ثم تبعته في بيان رسمي تأكيدي من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

اليوم لم يعد هناك سوفيتاً تجيش له القوي العظمي الإسلاميين لتحاربه، فوفقا للورقة البحثية للسفير الروسي فيتشسلاف ماتزوف، رئيس لجنة مكافحة الإرهاب الدولي، والخبير في شئون الشرق الأوسط، لعبت الولايات المتحدة الأمريكية دوراً كبيراً في تصعيد الإرهاب الدولي بكل أشكاله، ومن خلال استخدامها لعمليات التمويل والتحكم في اقتصاديات العديد من الدول، والتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في الانقلابات العسكرية، والتصفيات الجسدية، وان ما يشهده العالم من تغيرات وتطورات، جاء نتيجة تغير في أسلوب تعامل أمريكا مع دول العالم النامي، من خلال تصدير "الثورات الديمقراطية" بثمن بخس بهدف التخلص من خصومها السياسيين وتنصيب حلفائها وأصدقائها في الحكم، وأحيانا تفعل هذا للتخلص من حلفائها السابقين كما حدث في جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان بالاعتماد علي مذهب الكونية الجديدة.

الغريبة أن بحث الروسي ماتزوف تطرق سواء عن قصد أو غير قصد الي العلاقة بين الإسلاميين في الشرق الأوسط والأمريكيين في واشنطن، فأشارت الي أن الولايات المتحدة الأمريكية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وجدت ضالتها في الإسلاميين لتصنع عدواً جديداً يوجد لها مكانا في الشرق الأوسط، خاصة وان العالم العربي قدم لها حلولا علي طبق من ذهب من خلال حالة الخلل الفكري للإسلاميين والجهاديين الجدد، وما يحدث في سوريا دليلا علي هذا الخلل، فالأحداث الأخيرة أثبتت بما يدع مجالا للشك، انه ليس من مصلحة الأمريكان أن يجاهد العرب في القدس حفاظا علي الحليف الاستراتيجي إسرائيل، في حين أنها تريد أن تتواجد بقوة في سوريا بعد أن حققت أغراضها في العراق.

الحقيقة التي يجب استخلاصها من أبحاث الروسي فيتشسلاف ماتزوف، أن الأزمة الحقيقية ليست في الإرهاب أو الإرهابيين، ولكنها فيمن يحرك الإرهاب من خلف الستار، هذا المحرك لا يختلف بين بلدان ما وراء المحيط أو بلدان تجاور المحيط، اتفق الجميع للحفاظ علي مصالح القوي العظيم، في مقابل الحفاظ علي العروش، تلك القوي تقوم بما يسمي بصراع الديناصورات فيما بينها من خلال دعم مخلب قط ممثلاً في "الجهاديين الجدد".

دعونا لا ننسي أن فيتشسلاف ماتزوف هذا حينما كان مفوضاً للحكومة الروسية في مفاوضات الحرب الأفغانية الشيشانية، جاءه مندوب من الرئاسة الأمريكية يطالبه بإيقاف الحرب، في مقابل أن تتوقف الحكومة الأمريكية عن دعمها للخلايا الإرهابية في أفغانستان والشيشان، وللأسف بعض الدول الغربية وعلي رأسها ألمانيا المتحضرة لعبت نفس الدور، وتحديدا في الحرب الأهلية السورية، فبعد أن وصل بها عدد الجهاديون المتشددون الي 42 ألف جهادي، قامت بتصديرهم الي سوريا والشرق الأوسط، في خطة عرفت استراتيجياً بإعادة توطين الإرهاب في موطنة الأصلي، وبإبعاد ورم سرطاني كاد ينهش مجتمعهم.

 

الحرب المقدسة

"أيها المسلمون أيها المجاهدون.. سوريا تناديكم.. نساؤها يصرخون.. وامعتصماااااه.. ولا من مجيب.. لم يعد في بلاد العرب معتصم يلبي النداء.. هلموا الي الجهاد".. خطبة عصماء، لم تُتلي في بلاد العرب أو السلام، أتتنا من بلاد الفرنجة هادرة، ألقاها الجهادي الألماني الأشهر "أبو طلحة  الألماني"، يطالب فيها المسلمين الألمان بالانضمام إلى الحرب المقدسة فى سوريا، كل ذلك تم برعاية النظام الألماني الذي لم يختلف كثيرا عن ما فعلته المنظومة الأمريكية في الشيشان.

كيف أصبحت ألمانيا أرضاً خصباً للتنظيمات الإرهابية، وللجهاديين الجدد، هذا هو السؤال الأهم الذي سعي جيرهارد شيندلر مسئول الاستخبارات الخارجية الألمانية للإجابة عليه، حتي تلك الإجابة كان لها محور مهم بحالة الشرق الأوسط نفسها، فسوريا علي سبيل المثال مثلت حالة جهادية شديدة الجاذبية لكل من ينتمي الي التنظيمات الجهادية في ألمانيا، حتي وان لم تكن كانت وجهتهم الأولي التي اختاروها، ممثلة في أفغانستان والباكستان الوطن الأم للإرهاب، فسوريا الأقرب والأأمن والأسهل لهم.

"أين كانت السلطات الألمانية من كل هذه الأحداث؟".. نعود إلي فيتشسلاف ماتزوف وبحثه الأخطر حول تلك الحالة التي تشهدها سوريا والعراق، فقد طرح هذا السؤال دون إجابة واضحة المعالم، ولكنه في نفس الوقت أظهر كيف أضحت برلين مرتعا لتنظيم القاعدة، وكيف أن النظام الألماني جعل من ألمانيا دولة تستقطب من تشاء للانضمام إليها؟ وكيف أنها لم تضع فى حساباتها النتائج الكارثية التي قد تحل بها، سواء اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو حتي علي مستوي مكانتها الدولية؟، وان كانت كل الدلائل تؤكد علي أن رد الفعل المتأخر علي تلك الإشكالية يؤكد أن المنظومة الألمانية علي علم بها.

 

هجرة المجاهدين

"حي علي الجهاد".. تلك كانت الصرخة التي لبي بها جهادي 83 دولة حول العالم دعوة "أبو طلحة  الألماني"، بينهم 30 دولة أوروبية، قدمت جميعها ما يقرب من 5406 إرهابي، وكانت ابرز تلك الدول تمثل في أوكرانيا برصيد 350 مقاتل، ثم روسيا 250 مقاتل، والبوسنة 150 مقاتل، وفرنسا 120 مقاتل، وألمانيا 110مقاتل، وبريطانيا 80 مقاتل، بالإضافة الي 12 دولة مجهولة العدد حتي ألان وعلي رأسها دول البرتغال وكرواتيا والمجر وبلغاريا وايطاليا والسويد وبلجيكا والنرويج والتشيك وسلوفاكيا وفنلندا، ما يعني أن ألمانيا لم تكن في يوم من الأيام بمعزل عما تفعله بقيه الأنظمة الأوروبية.

ليس غريباً أن نري اليوم المجتمع الدولي، والذى تشكل الدول الأوروبية جزء كبير منه، يدفع الثمن، فما تتجرعه سوريا يوماً بعد يوم علي أيديهم دفعوا ثمنه دماء في "شارل ابدو" و"سان دوني" و"بتاكلان" و"وستمنستر" وغيرها من هجمات إرهابية، فالعالم الذي بات قرية صغيرة لم يعد بمأمن عن لدغات تلك الثعابين، ومن يربي تلك الزاحف في منزله يوم ما ستلدغه في أعز ما يملك، ففي الوقت الذي يغض فيه الأوروبيون الطرف عن تلك الثعابين، تنمو داعش وأخواتها باستقبال جهاديين جاءوها من جميع أنحاء العالم لتلقنهم فنون القتال من أجل نيل الشهادة فى الحرب الكبري.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز