

د. حماد عبدالله
حكاية واحة "الباشندى" !!
بقلم : د. حماد عبدالله
فى مقالى بعنوان " بداية معرفتى بواحات مصر الغربية " والذى تم نشره فى هذا العمود يوم الجمعة 4 أغسطس 2017 ، وعدت فى نهاية هذا المقال أن أستكمل مع حضراتكم معرفتى بأهم منطقة فى "واحات مصر الغربية" ، تعرفت عليها أثناء تجوالى فى هذه المنطقة فى عام 1979 بحثاً عن "التراث المصرى" المحفوظ لدى أهل الواحات ، قبل دخول الإرسال التليفزيونى ورؤيتى بأن المنطقة حتى هذا الوقت تعتبر متحف مفتوح للتراث المصرى الحى ، والذى يمارسوه أهل الواحات بعيداً عن الحضر ، سواء جغرافياً أو أعلامياً وحتى ثقافياً ، حيث لا رابط بين تلك الواحات والعاصمة إلا الطريق الصحراوى الغير سوى ( فى هذا الوقت ) والذى يقطعه أتوبيس جنوب الوادى من القاهرة إلى الخارجة مروراً بالداخلة لمدة 13 ساعة ، أو من القاهرة إلى الخارجة مروراً بمدينة أسيوط فى أكثر من عشر ساعات ، فهى منطقة محرومة من الإهتمام الإدارى الحكومى منذ وفاة المرحوم
( جمال عبد الناصر ) حيث هو أول من أشار إلى تلك المنطقة ليلة 23 ديسمبر 1958 فى خطابه بمناسبة "عيد النصر" فى مدينة بورسعيد الباسلة !!
ولقد شدنى روعة مبانى تلك الواحة ، حيث شبه إلى من أول نظرة بأن مبانى القرية ، قد نحتها مثال عالمى مثل ( جون ميرو ) ، وذهلت لرؤيتى ومشاهدتى الأولى ( أول وهلة ) فالمبانى بنيت بجزوع النخل والشجر ، وغطيت بالطفلة ، ونرى البيت فى "الباشندى" من الخارج تشكيلاً معمارياً طبقاً لتشكيلة الجذوع وأعوجاجها ، فلم يهذب البناء الواحاتى
( عظمة البيت ) تركه كما هو وجاء(باللياسة ) من الطفلة لكى يغطى تلك الجذوع على طبيعتها فخرجت الواجهات بتلقائية جميلة رائعة ومن الجميل فى الأمر ، أن ( اللياسة ) أو الملاطة بالطفلة بملابس ناعمة فى حدود إمكانية الفرد الوصول بيده حتى إرتفاع 220إلى 250سم ، أما بقية المبنى ملامسه خشنه حيث لم يستطيع الوصول ( المحار ) إليه ، واللطيف فى الأمر أن الشبابيك وهى على هيئة ( كوه ) حولها الملمس ناعم
يقدر طول ذراع ( العامل ) أو البناء ، والباقى متروك بملمسه الخشن ، شيىء من الخيال ، حيث تتشكل القرية كلها بتلك المبانى ، وتتصل ببعضها وتظلل الطرقات وتفترش تلك الطرقات بالرمال الناعمة !!.
وقام ( البناء ) ببناء "مصطبة" بجانب البيت من الخشب المغطى بالطفلة لكى تتم الجلسات العائلية فى الأوقات التى تغيب فيها شمس الواحات الحارقة(50درجة فى الظل).
والجميل أيضاً فى الأمر ، أن كل بيت يعلو مدخله لوح من الخشب حفر عليه أسم "بانى البيت" ، وصاحبه وعام إنشائه وهذا اللوح يعتبر ( صك ملكية ) للمنزل .
وهذه الأعتاب الخشبية من البلوط ، ومن مسطحات مستقطعة من جذوع ضخمة للنخيل المنتشر فى الواحة ، وينقسم البيت إلى مدخل وبهو ( للبهائم ) حين عودتها من التسوق أو المزارع ، وفى نصف السلم الصاعد جهة الجنوب يوجد ( الحمام ) وهو عبارة عن فتحة فى أرضية حجرة صغيرة وأدوات الحمام ( كوز ، وكيس رمال ناعمة ) حيث يستخدم ذلك فى تغطية ( فضلات ) الفرد المستخدم للحمام بديلاً عن المياه ( بسكب الرمال الناعمة ) وتسقط الفضلات فى خلفية البيت ، حيث تفتح بعد فترة لأخذ تلك الفضلات (كسماد عضوى) للأرض المنزرعة خارج القرية!! .
وفى النصف الثانى من الدور يوجد حجرات النوم وهى مشكلة من مصاطب مبنية من الخشب والطفلة ومفروشة بالكليم والحصر ، وفى البهو الخارجى يوجد الفرن وكذلك الدجاج أو البط والحمام فى البرج العلوى هكذا البيت فى واحة "الباشندى "
أما النشاط فهو التسوق من الواحات المجاورة لكل ما تبقى من تراث لديهم ( أكلة قديمة ، وأبسطه ) وعباءات تسمى ( ثوب ) وهى معروفة بأسماء " الدحريج، والعريجة ، والتريمسة ، والشيل) وكل ثوب من تلك الأثواب له زخارفه الخاصة وله أيضاً إستخداماته الخاصة أيضاً.
فثوب "الشيل" للمناسبات ، وثوب "الدحريج" للعمل اليومى خارج المنزل.
وثوب "التريمسة" للمكوث فى المنزل وسط الأسرة وثوب "العريج" للنوم!!
ورغبة فى تأكيد مبدأ وهو أن البحث العلمى يجب أن يبدأ من الواقع ويعود للواقع ، يبدأ من الأرض ويعود بالنفع على من يعيش على هذه الأرض .
وهذا ما أتخذته فى قرارى بأن أنشىء لهؤلاء المواطنين 800 نسمة مشغل وأقوم بتعليمهم إنتاج ما يتسوقونه ويبيعوه للسياح على أسفلت الطريق وكانت البداية لإنشاء أكبر مركز حرفى فى واحات مصر الغربية لصالح أهالى الواحة وللحديث بقية........