عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
كتابات فوزية مهران التي لم تنشر

كتابات فوزية مهران التي لم تنشر

بقلم : د. عزة بدر

في نور الكلمات والمحبة



 

الكتابة حياة.. الكتابة حياتي، كانت تلك كلمات فوزية مهران الأثيرة، فكانت تحول اللوحات إلى كلمات، والمشاهد إلى مفردات، والصور إلى حروف مضيئة، منذ مقالتها الأولى بجريدة المصري عام 1948 وكانت بعنوان "السعادة" ظلت فوزية مهران (1931- 2019) تبحث عن كل معنى إيجابي في الحياة، وظلت رواياتها تحمل هذه الأفكار الدافئة، وتعد ثلاثيتها الروائية "جياد البحر"، و"حاجز أمواج"، و"السفينة"هي محور عالمها الأدبي الذي صار أغنية للبحر، وتغنى بعالمه، والإقدام على مغامرة البحث عن الذات التي هي في الوقت نفسه تفاعل مع أحداث الوطن والناس فلقد كانت تقول: "أنت عندما تبني المجتمع فأنت تبني ذاتك"، لذا كانت قضايا الوطن حاضرة في أعمالها الأدبية، خاصة هذه الثلاثية التي صورت فيها رحلة الصمود في حرب الاستنزاف حتى تحقق النصر، لقد ظل بحثها عن معاني البناء، بناء الذات، والمجتمع من أهم سمات أدبها، وظل إيمانها القوي بالإنسان وقدرته على تجاوز العقبات هاديا في كل كتاباتها.

التأمل ورحلة المغامرة مع اللغة، يميزان عالمها الثري، فقد كانت ترى في إشراق اللغة آية وبشرى، بل حملت عناوين كتبها هذه الروح القوية والإيمان العميق بالكلمة كوسيلة لبناء الإنسان والتعبير عن مواجده وأفراحه، الكلمة التي تنير أمامه الطريق، فمن كُتبها "رب اجعل لي آية"، و"آية وبشرى".

وقد ظلت كاتبتنا مثابرة على تأمل الحياة، ورحلة الإنسان لتحقيق وجوده، وقد حملت أعمالها الأخيرة، التي لم تنشر هذا العبير الإنساني، وهذا التأمل العميق، وظلت هذه الروح الشاعرة تغرف من بحرها الوافر، ومن كلماتها العميقة، وتكتب كل ما حملته نفسها من معان، وما اختزنته من أسئلة، ليظل إبداعها طوال الوقت متوهجا بمحبة الإنسان، وقد كتبت بعض المقطوعات التي تقف على تخوم الشعر بكثافتها، وعلى حدود السرد بما تكتنز به من تأملات واسترسال ورغبة في البوح والحكي، وفي هذه الومضات التي كانت تقرأها عليّ فوزية مهران نلمح هذا الإشراق الذي يميز لغتها، وفي السطور القادمة آخر ما كتبته أديبتنا الراحلة ولم يُنشر بعد في كتاب، وقد كانت تريد نشره بعنوان "ساعات وعيون"، ومنه مقطوعات اختارت لها عناوينها بدقة، لتعبر عن عالمها الثري ورؤيتها العميقة.

 

ساعات وعيون

بقلم فوزية مهران:

الميلاد

الشمس تشرق بعد طول احتجابها

الشمس تشرق يوم مولدي

- صارحينى بشمسك..

(تضمنى الكلمات بدفئها)

الكلمات تخلق ميلادا جديدا.

 

المحبة

في بحر الصباح

أتنسم لحنك الباكي

أرى صورتك في الماء

تسبح سبحا جميلا..

يرونك بعيدا.. وأراك قريبا.

تحمل ألوان المحبة

وتحمل أثقالك

تناديني: اقبليني في مداراتك.

البناء

كان نقيا أبيا

يبحر في التاريخ والبلدان

يجوب المدائن والمواني

والقرى المنسية..

يغنيها– يريد ليبنيها

نرتبط بنور الكلمات

وميثاق الخرائط

ومواقيت البناء

فمن أين جاءوا بقصة الحب

والغرام؟

الدعاء

قال: ثقي في أسطورتك

قلت: ثق أنت بالدعاء

دعوت:

رب املأ قلبي وعقلي– بيتي وبلدي

بالسلام

واجعل على أرض مصر

المحبة والسلام.

البينة

لم يعد لي سوى تلك البئر في دارنا العتيقة

أجلس بجانبها لأستريح

أرى خيالات في الماء من أحباء وأصدقاء.. مشاهد

وحكايات.. من يذهب ومن يجيء..

أراني أسبح بينهم وأجدف حتى تأتيني البينة.

النظرة

اليوم جاء

رفعت وجهي إليه

أريه جرح عيني..

اقترب.. رافعا كفيه..

يود.. لو

يحضن مقلتي

ويحمل عني وجعي

وسعتني نظرة دافئة

برقت عيوني وفي قرارها

تحول إلى كيان من نظر

اللقاء

وقف أمامي في نهاية اللقاء

بعد أن غادرنا الأصدقاء

ظل صامتا.. ساكنا.. حاضرا

ضمتني مدارات دافئة

غبنا في الصمت العميق

أودع سره في خاطري

"معك أشعر بالسلام".

السلام

عندما رحل.. شيء ما مات داخلي

قولي صمت أو توقف عن العزف

نظرت إليه.. وجدت ظل ابتسامة غريبة تشع من عينيه

تقول لي: يتفوق عليك في التعبير

قلت لنفسي: ويقلق سلامي الداخلي

الأسماء

اشتعل جرح ساقي

أحاول شغل تفكيري.. أعد أسماء الله الحسنى

اسم تبقى من التسع والتسعين

تعبت من التذكر والتفكير

أخذتني سنة من النوم

أدعوه قبل أن أستسلم للنعاس

رب اجعل لي نورا.. واشفني وعافني..

أفقت وبقوة، وجدته.. وجدته

- العَفو-

المائة

اقتحم الولد مجلس أبيه مع أصدقائه العلماء

قال: عندي سؤال

أحاطت به العيون في دهشة

- لماذا أسماء الله الحسنى تسع وتسعون

لماذا لا تكون مائة

اتسعت عيون الدهشة..

فكر في الهرب منهم ومن السؤال، توقف فجأة:

عرفت الاسم المائة هو الحب."

 

هكذا كتبت فوزية مهران ومضاتها الشاعرة، وتأملاتها العميقة، وإلى حلقة قادمة.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز