

بقلم
عبدالجواد أبوكب
صبري موسي .. وأنا
12:00 ص - الأربعاء 15 مايو 2013
بقلم : عبدالجواد أبوكب
يعتقد الغالبية الأعم من الناس أن الكتابة الشخصية عن مبدعين نعرفهم أو اقتربنا منهم أسهل كثيرا من نقد أعمالهم وتحليل مضامينها،لكني أري العكس تماما لأن النقد والتحليل عمل نظري يحتكم دائما لعلم له ثوابته الواضحة بينما الكتابة الانسانية ليس لها حدود فهي كونية المدي وقد تتسع بلا نهاية حسب درجة المشاعر والمحبة المتبادلة،خاصة عندما ترتبط هذه الكتابة بالعظماء.
ومن هنا فالكتابة عن شخية في حجم أديب كبير مثل صبري موسي تحتاج لفك طلاسم مشاعر متباينة تسرقك إليه كلما حاولت أن تدخل مساحة ابداع، وتدفعك لتقديره اذا تعاملت ولو لمرة واحدة،وكل من اقتربوا منه يعرفون أن صبري موسي الانسان لايقل عظمة وريادة عن صبري موسي الأديب الكبير.
ومنذ المرة الأولي التي قابلته فيها كان أستاذا وأخا أكبر ..كنا في مجلة صباح الخير وكنت في أول شهوري بـ"روزاليوسف"..دخل غرفته التي كانت مخصصة لكبار الكتاب وكنت أجلس علي المكتب المجاور له رغم تحذيرات عم حسين المسئول عن الاهتمام بالمكتب-رحمه الله-لأخرج قبل قدوم الأستاذ لأن العواقب ستكون وخيمة اذا حضر ووجدني داخلها،وكان عم حسين يسمح لنا بالدخول خلسة لأننا بلا غرف ولا مكاتب من الأساس.
ووسط انشغالي دخل صبري موسي وتوقف فور رؤيتي وعلي ووجه علامة استفهام كبيرة حولي وعن كيفية دخولي غرفة الكبار،وعلي عكس التحذيرات ابتسم بطريقته المميزة التي تشتعل معها عيناه طيبة وسألني ..إنت مين؟..فأجبته..عبدالجواد أبوكب،فعاد وسأل عن معني الاسم ،فاستطردت في الشرح وكيف أنه اسم العائلة كعادتنا في الصعيد،وفي نفس مسار المفاجآت أخبرني أنه يتابع كتاباتي ويري في شخصي الضعيف نموذجا للصحفي المجتهد،وطلب لي"واحد ليموناده".
ومن هذه النقطة بالتحديد بدأت علاقتي العائلية بالأستاذ والتي زاد منها كوني أسكن بالقرب من منزله،وهي العلاقة التي حولتني مع الأيام إلي فرد من العائلة،وعندما مرض "عم صبري"كما يحلو لي أن أناديه رأيت جانبا جديدا من عظمة الأديب الكبير،فرغم أنه كان ملء السمع والبصر،ورغم أن جلطة المخ التي أصابته لا ينجو منها كثيرين وتحتاج لعلاج طويل ومرهق نفسيا وماديا،كان صبري موسي كالطود،تحمل ومعه السيدة الفاضلة زوجته أنس الوجود رضوان كل ضغوط الحياة،وأبي في كبرياء وعزة أن يلجأ لأحد الا الله رغم صداقته بفاروق حسني وزير الثقافة وقتها والذي هاتفه تليفونيا في مكالمة يتيمة وفق ما أذكر ثم اختفي،ليقرر صبري موسي بدوره الاختفاء عن مجتمع يسكن في وطن لا يكرم رموزه ولا يقف بجوارهم في المحن الا اذا كانوا يعرفون "من أين تؤكل الكتف".
وطوال سنوات اعتكف صبري موسي ملتحفا كبرياءه،متشبسا بارادته،موقنا أن الله أكبر وأعظم ولن ينساه..ومع الأيام بدأت العافية تسري في جسد الأديب الكبير ليسير جزئيا ويعرف الكلام طريقه للسانه من جديد ويبدأ في استيعاب ما فاته من أحداث مستأنسا بالقراءة ومتابعة الفضائيات علي سنوات طويلة لم يغادر فيها شقته التي توحي بعظمة من فيها رغم أنها ليست فخمة كصاحبها.
ورغم اختفاء المسئولين وتنكر اتحاد الكتاب ونقابة الصحفيين للرجل الذي كان ومازال رمزا وواحدا من جيل الرواد العظام،الا أن تقدير العالم له من أمريكا لايطاليا مرورا بتونس،واحتفاء أصدقاءه المغتربين وتلاميذه وسؤالهم الدائم عن صاحب الروائع الأدبية ورائد أدب الصحراء كان دافعا مهما للاستمتاع بالحياة.
وفي النهاية يبقي أن أشكر قصر ثقافة دمياط واقليم شرق الدلتا الذي نظم قبل أيام تكريما يليق بالكاتب الكبير في مسقط رأسه بمشاركة عدد كبير من المبدعين أشرف عليه محمد عبدالحافظ رئيس الاقليم ومحمد الشوربجي مدير ثقافة دمياط وسلوي حامد مديرة قصر الثقافة ،ووأعد المهرجان وأداره بكل تفاصيل المبدع ناصر العزبي.
تابع بوابة روزا اليوسف علي