

بقلم
عصام ستاتى
المجد للشهداء .. من أوزوريس إلى چيكا
12:00 ص - الإثنين 26 نوفمبر 2012
بقلم : عصام ستاتى
قداسة الشهيد والاستشهاد لها مكانة خاصة فى نفوس المصريين عبر العصور و التاريخ والأساطير والحكايات فالإله الشهيد أوزوريس الذى قدسه المصريون لأنه ضحى من أجلهم وأجل زرعهم وحصادهم ولذا رغم تقطيع جسده لأربع عشرة قطعة فهو حى لأنه الزرع أوزوريس الأخضر الذى ينبت و يبعث من جسده الميت الحياة وهناك تماهى مع هذه الفكرة حتى يومنا هذا فنجد المصريين يطلقون اسم عبد الشهيد حتى الآن وهو اسم يرجع لعصور قديمة جداً عصور تقديس الشهادة والشهيد لدرجة يصبح البشر عبيدا له ، ولذا نجد عصر المسيحية المصرية يسمى بعصر الاستشهاد أو عصر الشهداء وكذلك السنة القبطية تبدأ بعام 384 ميلادية وهي السنة التي اعتلى فيها الإمبراطور الطاغية " دقلديانوس " عرش الإمبراطورية الرومانية وكانت قد حدثت في أيام حكمه أشنع الاضطهادات التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المسيحيين خاصة من أقباط مصر فلما أراد الأجداد أن يخلدوا ذكرى شهدائهم الأبرار اعتبروا سنة اعتلاء هذا الطاغية العرش بداية لتاريخهم وهكذا بدأ العام القبطي الأول ، وهكذا أصبح العيد عند الأقباط عيد ازدهار الإيمان وازدهار الشهادة والشهداء الذين ارتوت بدمائهم الأرض .
وظلت هذة الفكرة بعد دخول الإسلام فنجد أن كل أولياء الله الصالحين كانوا مشاركين فى معارك وأبطال ومجاهدين وأغلبهم شهداء فنجد حب المصريين إلى آل البيت وخاصة الحسين الشهيد الذى يمثل الصورة الأوزورية فى شكلها الاسلامي كما نجد سيدى عبدالله الغريب فى السويس هو قائد وبطل معارك ضد القرامطة وشهيد هذه المعارك وأن الميدان الذى يحمل مسجده يسمى ساحة الشهداء وكذلك سيدى عبدالله الأربعين الذى رفض السخرة فى حفر القناة وناضل واسشهد من أجل هذه الفكرة كما أن سيدى حنيدق بالإسماعيلية وهو ضابط وطبيب فرنسى واسمه حنين أو هنين وقام بدور بطولى فى مقاومة الكوليرا وأصيب بها ومات فأقام الناس له مقاماً تخليداً له ولدوره وغيره من النماذج الكثيرة والتى لا حصر لها ، البعد الثالث فى النسق القيمى وهو مساندة وتقدير الفارس سواء استشهد أو لم يستشهد بداية من الفارس حورس ، مروراً بكل رموز الفروسية عبر التاريخ فهذه طبيعة الإنسان ،
فمثلا محمد عبيد أحد قادة الثورة العربية والذى ظل يدافع فوق مدفعه . ومع نهاية قصته البطولية، ظل "محمد عبيد" يطلق طلقات مدفعه في معركة "التل الكبير" والتي هزم فيها الجيش المصري بقيادة"عرابى" لخيانة الأعراب له... إلا أن "عبيد" لم يستسلم وظل يطلق طلقات مدفعه حتى فرغت منه، وانطلق بسيفه إلى قلب المعركة إلى أن أطلقت عليه دانة أطاحت بذراعه، ولكنه واصل العراك إلى أن أجهزت عليه طلقة أخرى، أطاحت بجسده الطاهر لتروى دماؤه أرض "مصر" التي عشقها وغادر الدنيا بطلا شهيدا ليحمل التاريخ اسمه بحروف من نور.... وذكر الضابط الإنجليزى الذي سلم متعلقاته فيما بعد، أنه ظل متابعا لهذا البطل الأسطورى بتعجب من إصراره وقوة عزيمته في الاستمرار في معركة انتهت بالفعل، وظل يراقبه وهو ينزف ويقاتل إلى أن سقط شهيدا.. وتوجه إلى بقايا جسده وألقى التحية العسكرية عليه احتراما، ثم احتفظ بسيفه وبقايا بذلته العسكرية إلى أن سلمها فيم بعد.
وكان آخر من استمروا في المقاومة معطيا القدوة والمثل للأجيال من بعده. أعطته الجماعة الشعبية صفات لا تكون إلا للأولياء ، مثل أنهم شاهدوه فى الشرقية ينظم صفوف المقاومة من أجل أن يعود للتل الكبير ويبدأ معارك جديدة وظلت مثل هذه الأحاديث سنوات بعد استشهاد محمد عبيد فقد شكل عبيد هذا النموذج لأنه كان أكثر ردايكالية من عرابى نفسه .
وكذلك الشهيد عبد الحكم الجراحى أحد أبطال ثورة 1935م وتتلخص فى أنه عندما خرجت مظاهرة من جامعة فؤاد الأول ( القاهرة حالياً ) وذهبت على كوبرى عباس وكان يحمل العلم المصرى الشهيد محمد عبد المجيد مرسى وهو طالب فى كلية الزراعة ، وعندما وصلوا إلى منتصف الكوبرى أطلق الإنجليز النار على المظاهرة فاستشهد عبد المجيد فوراً وحمل العلم عبد الحكم الجراحى الطالب فى الصف الثالث بطب القصر العينى قبل أن يسقط العلم على الأرض ، فقال له الضابط الإنجليزى : " لا تتحرك " فرد عبد الحكم : "ليس من حقك " وبالفعل تحرك 13 خطوة وكان فى كل خطوة يطلق عليه الإنجليز رصاصة فنقل إلى القصر العينى تحت حراسة مشددة وقام الأطباء بإخراج 8 رصاصات من جسده يوم 15 نوفمبر وفى يوم 17 قام عبد الحكم بقطع الخياطة وغمس يده فى الدم الأسود وكتب رسالة على الحائط الأبيض للغرفة قال فيها : " إلى مستر روح الشر رئيس وزراء انجلترا ،أنا الشهيد محمد عبد الحكم الجراحى قتلنى أحد جنودكم الأغبياء وأنا أدافع عن حرية وطنى .. عاشت مصر .. الشهيد المصرى محمد عبد الحكم الجراحى ، واستطاع زملائه فى القصر العينى تهريب جسمانه بعد استشهاد أربعة منهم وكانت جنازته من الجنازات الكبرى فى التاريخ المصرى مثل حنازة مصطفى كامل وسعد زغلول وعبد الناصر –"عبد الحكم يا جراح .. أوعى تفكر دمك راح"
ومن أوزوريس الشهيد الأسطورى إلى إسلام مسعود و جابر صلاح جابر " جيكا " المجد للشهداء أبطال الصفوف الذين ضحوا بزهرة شبابهم من أجل شعاع الأمل الذى يشرق من أجل حريتنا جميعاً أو كما يقول فؤاد حداد غير الدم محدش صادق ولايذكر التاريخ الإ الأبطال فهل نتذكر اسم الضابط الذي اغتال جيفارا، أومن أطلق الرصاص على مينا دانيال والقائد الذي هزم اسبارتاكوس، والخونة الذين تخلوا عن عرابي؟ وهل يمكن أن نغفل أو نجهل أو ننكر أن الحسين المهزوم بقي أخلد وأطهر وأعظم ممن قتله أو أمر بقطع رأسه وظن أنه انتصر؟ إن الناس لا يبقون في ذاكرتهم إلا من ضحى من أجل قضية عادلة، فلا يغر نكم الكثرة الزائفة ولا السلطان الزائل .

تابع بوابة روزا اليوسف علي