

سهام ذهنى
الوصول إلى المسيرة
بقلم : سهام ذهنى
بدت منطقة مسجد مصطفى محمود يوم «جمعة الشهيد» 32 أغسطس كمنطقة مهجورة، لا يوجد ناس فى الشوارع، حيث الأسلاك الشائكة والمدرعات تمنع الوصول إلى مسجد مصطفى محمود.
هل أعود إلى بيتى، أم أبحث عن مسيرة أخرى؟! لا أعرف من أى المساجد القريبة تخرج مسيرات، سرت فى الشوارع وقد ملأنى حزن شديد، لم أعد أشعر بالطريق الذى أسير فيه، فأمام عينى كان شريط من القهر يتم استرجاعه يتضمن أيام «حبيب العادلى» حين كان من يريد المشاركة فى احتجاج سلمى أو حتى المشاركة بالإدلاء بصوته الانتخابى يتعرض للتضييق عليه كى لا يتمكن من الوصول إلى المكان، حيث كانت سياسة الداخلية وقتها هى تجفيف منابع المعارضة. هل يمكن أن يقبل الشعب بالعودة إلى هذا الزمن من جديد؟
انتبهت فجأة إلى أن قدمىّ قد حملتنى بعيدا، وأن الشمس الحارقة دون أن أدرى قد أنهكتنى، وجدت «تاكسى»، سار بى عبر شوارع داخلية وصولا إلى بيتى. ثم أشرت له قبل أن أغادره إلى اتجاه الشوارع الداخلية كى لا يضل طريقه، فإذا به يقول لى دون أن يدرك وقع كلماته على روحى أنه سيتخذ طريقا مختلفا كى يتجنب الزحام الذى تسببه المسيرة التى تسير فى شارع «شهاب»، ربما ظن الرجل أننى مجنونة فلقد تبدلت ملامح وجهى تماما كأن كلماته تتضمن «ريموت كنترول» استخدمه دون أن يقصد فتم تحويل القناة إلى أخرى يتصدرها وجه مبتسم، وسألته بلهفة عما إذا كانت المسيرة باتجاه شارع «جامعة الدول» أم العكس فرد بدون اكتراث إنها باتجاه شارع جامعة الدول العربية.
عند تقاطع شارع جامعة الدول العربية مع شارع شهاب لم يكن هناك أحد، لكن الصوت كان يدل على أن المسيرة قد عبرت التقاطع وتحركت فى شارع «محيى الدين أبو العز».
وجدتها. المبهر أننى قد وجدت آخرين كثيرين جدا مثلى يهرولون فى الشارع باتجاه المسيرة، منهم من يقيم فى شارع جامعة الدول العربية وسمعوا صوت المسيرة فجاءوا ليلحقوا بها، ومنهم من رأيتهم يخرجون من بعض العمارات فى شارع «محيى الدين أبو العز» وقد نزلوا بسرعة كى يشاركوا هم أيضا فيها.
عندما تحدثت مع بعض السيدات فى المظاهرة عرفت أن عددا منهن كن قد غضبن مثلى حين لم يستطعن الوصول إلى مسجد مصطفى محمود، ثم جبر الله بخاطرهن وبعث لهن بصوت هذه المسيرة التى انضممن إليها كى يساهمن فى التعبير عن الوفاء لدماء الشهداء، كذلك تحدثت مع بعض الشباب، فلفت نظرى أن غالبية من فى المظاهرة هم ناس عاديون تماما ولا علاقة لهم بأى حزب أو جماعة، لكنهم أصحاب فطرة سليمة، ونفوس نقية.
وظلت الأعداد تنضم للمسيرة بوجوه مستبشرة وابتسامة سعيدة، حيث يكرر كل من أسأله حكاية شبيهة بحكايتى حول الفرحة بالوصول إلى المسيرة البديلة لمسيرة مسجد مصطفى محمود المحاصر، فشعرت أن هذا الشعب العظيم لا يمكن قمعه من جديد، خاصة حين ارتفعت نبرة الصوت وارتج الشارع عند الهتاف:
«يا نجيب حقهم، يانموت زيهم».