عاجل
الأحد 28 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
«فضيحتى فى بلاد برة»

«فضيحتى فى بلاد برة»

بقلم : سهام ذهنى

 



 

وجعنى قلبى وأنا أقرأ كتاب «فضيحتى فى بلاد برة» للكاتب الساخر «وائل الملاح»، فعلى الرغم من أن الكتاب ساخر، إلا أن سخرية المؤلف من المواقف التى تعرض لها فى الخارج نتيجة انبهاره بدرجة الانضباط والأمانة واحترام حقوق الإنسان اليومية جعلنى أتذكر أحلامنا البسيطة لوطننا هذا الذى نحبه.فالمؤلف ينقل ملامح مما مر به خلال رحلاته فى عدة دول أجنبية، بما تضمنته من تجارب حياتية ممزوجة بالأمنية البريئة التى نتمناها جميعا وهى أن نتعلم من مميزات الدول الأخرى كى نستلهم ما تفوقوا فيه ونحاول أن نطبقه لنستمتع بمثل هذه المميزات داخل وطننا.

 

كنت قد بدأت بتصفح الكتاب بحثا عن استراحة من ضغوط الواقع الحالى، فإذا بتوتر الأحوال داخل الوطن يجعل العبارات الساخرة من المؤلف تتسبب فى تقليب الأوجاع بداخلى، فلقد قمنا بثورة من أجل ألا يظل عدد كبير من المصريين على الرغم من حبهم الكبير للوطن «على استعداد للموت غرقا بدلا من البقاء فيه» ـ على حد تعبير المؤلف.. من السطور الأولى فى المقدمة ألاحظ أن المؤلف يكتب بلغة عربية جيدة بما يدل على أن استخدامه للغة العامية ـ التى عادة ما أتحفظ عليها ـ إلا أننى لاحظت أن استخدامه للعامية هو ليس للاستسهال، وإنما لأسباب أخرى.
 
ومن البداية لاحظت وفرة المفردات الشبابية المستوحاة من الجهاز الرئيسى فى حياة الشباب وهو «الكمبيوتر».
 
ففى انتقاد المؤلف للأشخاص الذين يسافرون إلى الخارج ويتحدثون عن إعجابهم بأمور التزموا بها فى الخارج باعتبارهم هناك جزءا من مجتمع يلتزم بها، ثم عادوا إلى الوطن وتخلوا عن الالتزام بما سبق أن أشادوا به، فإن الكاتب الساخر «وائل الملاح» يعبر عن هذه النوعية من المصريين مستخدما لغة العصر الكمبيوترية قائلا: «هناك من سافر إلى بلاد برة وعرف ولمس الفرق بنفسه، ومع ذلك أول ما يضع قدمه على أرض الوطن يدوس لelete على كل ما اكتسبه من الخارج، ويفرمط «السوفت وير»، ويشيل الشريحة الأجنبى ويحط الشريحة المصرى، استنادا إلى مبدأ إن «هى البلد دى كده». وكأن الكتالوج بتاعها لو عايز تعيش فيها بيقول تغاضى واشتغل الزبون وافتى على قد ما تقدر».
 
طبعا الكتاب ملىء بالمفارقات المضحكة مثل قيامه بالتقاط صورة تذكارية لما اعتبره تحفة فنية على أعمدة النور فى باريس، ثم إذا بشخص يفتح غطاء ما ظنه تحفة ويلقى فيه بكيس المهملات، فاكتشف أن «دى زبالة يا جاهل»، إنما الكتاب فى مجمله وبدون أن يلقى المؤلف خطبة حماسية عن الفرق بين سلوكياتنا وسلوكيات الناس فى الخارج جعلنى أشعر بقدر من الأسى، لقد مررنا بعد حوالى نصف قرن من ثورة يوليو بثورة 52 يناير التى مازلنا نعيشها، مع ذلك فمازلنا نحلم بأشياء المفروض أنها بديهية، وحرماننا منها يجعل الذى يسافر إلى الخارج ويرى أنها أمور عادية يعود ويتحدث عنها وكأنها من غرائب الطبيعة التى نجحوا فى الوصول إليها. لقد كان من أبسط أحلامنا منذ الثورة السابقة «ثورة 32 يوليو» هو «رجال سكر على مكاتبها تخدم بالروح» على حد أغنية عبد الحليم حافظ الشهيرة، وإذا بنا عندما يعاملنا الموظف باهتمام فى الخارج نندهش، حيث التعامل مع الموظف فى مصر مخاطرة غير مضمونة تختلف تماما عما رواه وائل بدهشة حول ما فعلته معه الموظفة الإنجليزية بحثا عن سبب المشكلة فى خط تليفونه المحمول.
 
أحلامنا البسيطة تتضمن أن تركب فى بلدك قطارا محترما مثلما روى تحت عنوان «أحلى أربع ساعات فى إيطاليا» عن تجربته فى ركوب القطار هناك.
 
وأن تتواجد داخل مبنى، ويتصادف أن يدق جرس الإنذار ضد الحرائق، فيكون الإنذار معبرا بالفعل عن ذلك وليس لمجرد عطل فى أسلاك الجرس، وأن يتم إخراج المتواجدين فى المبنى بلا توتر، وأن تصل سيارة الإطفاء فى الموعد وتتعامل مع الأمر بسلاسة، وهو ما روى تجربته التى مر بها أثناء دراسته فى «لندن» تحت عنوان «مشهد لم يكتمل» والذى اختتمه بانبهار أقرب إلى الحسرة قائلا: «وعلمت أن الدور الأساسى للمطافئ هو أن تمنع الحريق قبل أن يندلع وليس أن تطفئ النيران بعد وقوع الكارثة».
 
وكم من أجراس تنذر بحرائق نتمنى التعامل معها بحكمة منعا للكوارث على أرض الوطن.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز