الخميس 25 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

حكاية مدينةُ تَكدا القديمة بغرب إفريقيا

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

ينطق اسم مدينة "تكدا" هكذا (بحسب المصادر): "وضبطها بفتح التاء المعلوة، والكاف المعقودة، والدال المهمل مع تشديده".

وجمعت مدينة "تكدا" وسكانها علاقات تجارية مزدهرة مع مصر، وكان تجار هذه المدينة يقبلون على المنتجات المصرية لاسيما الملابس والأقمشة، وعن ذلك تقول المصادر: "ولا شغل لأهل تكدا غير التجارة، يسافرون كل عام إلى مصر، ويجلبون من كل ما بها من حسان الثياب، وسواها.." 

 

وكانت "تكدا" تتسم بكثرة العمران والمباني التي شيدت باستخدام الحجر، ولعل ذلك الازدهار الذي شهدته المدينة في مبانيها وعمارتها بفضل ازدهار التجارة، حيث تعد تكدا أحد أهم المراكز التجارية عبر الصحراء، وتصف المصادر سكان المدينة ومدى ارتباطهم بالنشاط التجاري بأنهم "أقوام لاعمل لهم سوى بالتجارة".

 

ونالت تكدا شهرة كبيرة بفضل وجود مناجم المعادن بالقرب منها، لاسيما النحاس، يقول ابن بطوطة: "ومعدن النحاس بخارج تكدا، يحفرون عليه في الأرض، ويأتون إلى البلد فيسبكونه في دورهم، ويفعل ذلك عبيدهم، وخدمهم".

 

وكان الصناع والحرفيون في "تكدا" لما يقوم بسبك ما لديهم من النحاس الأحمر، يصنعوا منه القضبان، وكان طول كل منها في طول شبر ونصف، وبعضها رقاق، وبعضها أكثر سمكًا. 

 

وكانت قطع النحاس تستخدم في التبادل التجاري على غرار العملة: "فتباع الغلاظ منها بحساب أربعمائة قضيب بمثقال ذهب".

 

وتشير المصادر إلى أن البناء باستخدام الطين لم يكن في كل بلاد السودان الغربي على وجه الإطلاق، حيث تتحدث العديد من المصادر عن وجود بعض المدن كانت أكثر عمارتها وبيوتها من الأحجار وليس من الطين، ولعل من أبرز نماذج تلك المدن مدينة "تكدا" التي تشتهر بوجود مناجم النحاس بها. 

 

ويذكر ابن بطوطة أن البناء بالحجارة كان الغالب على عمارة المدينة، حيث يذكر: "وديار تكدا مبنيةٌ بالحجارة الحمر، وماؤها بحري على معادن النحاس، فيتغير لونه وطعمه بذلك". 

 

وتبدو تلك الرواية في غاية الأهمية، فهي تؤكد على وجود بعض المدن في غرب إفريقيا، والتي كانت يغلب على العمارة بها استخدام الأحجار، وليس الطين كما هو ذائع، وهو الأمر الذي يحتاج مزيدًا من البحث للتعرف على وجود مدن أخرى كانت قد شيدت أكثر مبانيها بالأحجار في غرب إفريقيا. 

 

ويؤكد تلك الرواية مؤرخون آخرون تحدثوا عن استخدام الأحجار في تكدا، حيث يحدثنا "موسى كامرة" في "زهور البساتين"، عن انتشار البيوت المشيدة بالمدينة المبنية من كتل الحجارة، حيث يقول عن ذيوع وانتشار البناء بالأحجار بها، وفي الغالب اعتمد المؤرخ موسى كامرة، على رواية ابن بطوطة بشكل واضح.

 

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي

تم نسخ الرابط