رغم عاصفة فيلم «الست» التى لم تتوقف ما بين مؤيد ومعارض وانقسام الآراء حوله فإن الفيلم قد حقق مكاسب ولو تعلمون عظيمة على المستوى الفنى والإنسانى وأيضًا الاجتماعى.
أجمل ما فى الفيلم أنه خلق حالة من الجدل الصاعد والهابط وفيضان من الآراء وسيل من الأحكام والانطباعات والآراء ووجهات النظر التى انقسمت ما بين مؤيد ومدافع ومعارض ومهاجم.
هذا هو علم الجدل الديالكتيك (Dialectics) الذى يعتمد على منهج فلسفى ومنطقى للوصول للحقيقة عبر الحوار والنقاش المنطقى بين وجهات نظر متعارضة، أو كقانون للتطور والصراع بين الأضداد، بدأه الفيلسوفان اليونانيان سقراط وأفلاطون، وأعاده الألمانى هيجل ليدل على التطور من خلال التناقض (الفكرة ونقيضها وتراكبهما)، ثم تبناه الماركسيون كـمادية ديالكتيكية لتفسير تطور المادة والتاريخ عبر قوانين مثل «وحدة صراع المتناقضات» و«تحول الكم إلى كيف» و«نفى النفى».
هكذا تحول السوشيال ميديا إلى سوق مفتوحة والست هى «التريند».
فيلم «الست» مثل كل أفلام السير الذاتية له ما له وعليه ماعليه وما خفى فيه وما بطن ولم تجتمع عليه كل الآراء، لكن المكسب الأكبر أنه حرك المياه الراكدة ودفع الجميع لفتح كتب التاريخ لإعادة قراءة سيرة ومسيرة هذه السيدة الاستثنائية العظيمة وتصحيح الأخطاء ويكفى أن الأطفال والشباب الآن لا حديث لهم إلا عن أم كلثوم.
الإعلامية إيمان قطر بماسبيرو لخصت فى صفحتها شغف الغالبية العظمى من الأطفال بالفيلم رغم أنها متحفظة وغاضبة من الفيلم وأنه أظهر بعض التفاصيل المشوهة لأم كلثوم من وجهة نظرها وكتبت بوست عن ابنتها بالحرف الواحد:
«برلنت وهى عندها 6 سنين سألتنى وهى خايفة: ماما هو أنا لازم أحب أم كلثوم؟! انتبهت أوى وكانت المفاجأة أنها فاهمة إن مقامها ومكانتها زى الأنبياء لازم نحبها أو ندخل النار.. فهمتها طبعًا إنها فنانة مش إلهة يعنى تحبيها أو تكرهيها حسب ذوقك.. الحوار مرتبط جدًا بالأجواء السائدة اللى فرضها فيلم (الست).. أطفالنا أدركوا عظمة هذه المرأة من طريقتنا فى سماعها وارتباط أغانيها بذكرياتنا.. فطبيعى أن المصرى يغير عليها وعلى قصتها بكل ما فيها من انتصارات وانكسارات.
أهمية البوست أنه يرسم الحالة العامة بعد طرح الفيلم فى دور العرض، فالجيل الذى اقترب من الست لم يعجبه إظهارها بشكل سلبى بتصدير صفة البخل رغم أنها أكبر فنانة تبرعت لمصر فى حفلاتها لمصلحة المجهود الحربى فى أخطر المراحل التى مر بها الوطن، ولم يعجبه عدم إبراز دورها فى ثورة يوليو ومساندة مجلس قيادة الثورة وعشقها الفريد من نوعه للزعيم الخالد جمال عبدالناصر (راجعوا مثلا الروايات التى تحدثت عن القرارات الرئاسية وكيف غنت أم كلثوم رائعة أنت عمرى المسمى إعلاميًا بلقاء السحاب برغبة جامحة من الزعيم الراحل وكيف جمع بين القمتين «أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، أو الروايات التى وصفت حجم الحزن الكبير بعد وفاته وتجسد دراما مؤثرة ومتكاملة الأركان.. هذا الجيل كان يميل أيضًا إلى إبراز دور أكابر التلحين فى مسيرتها الغنائية من زكريا أحمد والقصبجى ورياض السنباطى إلى محمد عبدالوهاب ومحمد الموجى وبليغ حمدى وكيف أبدعت هذه الأساطير الغنائية أعمالا عابرة للأجيال.
منى زكى ومروان حامد قدموا ملحمة سينمائية عالمية تمثل نقلة فى تاريخ السينما المصرية، لكن السيناريو افتقد أركانا كبيرة ووقع فى مصيدة المغالطات.
هكذا يرى الجيل الحالى، لكن المؤكد أن مكاسب الفيلم كبيرة خصوصًا تنبيه الأطفال والشباب بعظمة أبناء هذا الوطن والإلحاح على إعادة قراءة تاريخهم الشامخ.
عظمة تاريخ الست أم كلثوم وهى آخر امتداد للملكات مصر الفرعونية لا يضاهيه عظمة إلا بتأمل تاريخ العندليب حليم وتاريخ الفرعون المصرى محمد صلاح.. عظيمة يا مصر.
نقلاً عن مجلة روزاليوسف



