"طاقة نور".. حكايات أبطال مناهضة عادة ختان الإناث في أسيوط
تعد ممارسة عادة ختان الإناث الضارة، واحدة من أسوأ أشكال العنف ضد الفتيات؛ لما تسببه من تشويه نفسي وجسدي، بذلت الدولة المصرية ومازالت تبذل الكثير من الجهود لتنمية الوعي ومناهضة تلك الممارسة الضارة، وفي عام 2021 أقر البرلمان تغليظ عقوبة ختان الإناث، ومؤخرًا أظهر المسح الصحي الصادر عن جهاز التعبئة والإحصاء تراجع معدلات ممارسة ختان الإناث إلى 86% خلال عام 2021 مقابل 92% عام 2014.
كما أن مصر لديها آليات أخرى تتمثل في خط نجدة الطفل 16000 إلى جانب خط شكاوى المجلس القومي للمرأة 15115، وقبل حوالي عام أطلقت هيئة بلان إنترناشيونال حملة لمناهضة ختان الاناث في محافظة اسيوط تحت مسمى (طاقة نور)، عمل المشروع على نشر الوعي من خلال العمل على إعداد متطوعين من عدة فئات نوعية وعمرية، ليكونوا هم سفراء التنوير في محافظتهم.
"بوابة روزاليوسف"، التقت أبطال التغيير للتعرف على قصصهم والأنشطة التي شاركوا فيها، وشملت عدة مظاهر منها تصميم منصات إلكترونية للتوعية، إضافة إلى إطلاق مبادرات مجتمعية لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي خاصة ختان الإناث، علاوة على تنظيم معكسرات مجتمعية ينفذها الأطفال والشباب.
مهمة التوعية ليست مستحيلة
"مرفت 47 سنة"، معلمة في إحدى مدارس التعليم المجتمعي؛ وهي مدارس توفر الخدمات التعليمية في المناطق النائية وتعيد المتسربين من التعليم للمنظومة التعليمية، ومن خلال عمل "مرفت"، تتواصل مع أولياء أمور الطالبات في مرحلة الابتدائية؛ وهي المرحلة التي يتم خلالها إجراء عادة ختان الإناث، وتقول إن كلمتها مسموعة لدى الأهالي وخاصة السيدات، ولكن قبل أن تكون مرفت وسيلة لتغيير الفكر السائد نحو ممارسة هذه العادة، كان لابد وأن تتغير أفكارها هي في البداية وهو ما تم بالفعل.

تقول "مرفت": إن العامل المتعلق بالدين ليس مؤثرًا بشكل كبير بقدر العادة والتي تحكم سلوكيات الأهالي وبالأخص السيدات، لأن الرد الذي تسمعه غالبًا أن الختان هو العادة التي كان يمارسها أجدادنا وورثناها عنهم، هنا ترد مرفت بالحديث عن الآثار الصحية السلبية لعادة الختان الضارة سواء الجسدية أو النفسية.
أضافت أن تنظيم المعسكرات والزيارات الميدانية والاجتماعات والجلسات، كانت فرصة لتغيير أفكار الأهالي، وهو ما يحدث بالتدريج، ومن الطبيعي أن يكون رد الفعل رافضًا في البداية لكن كانت لديهم رغبة دائمة في الحضور والاستماع إلى رسائل التوعية الرافضة للختان، وذلك عبر استخدام وسائل مختلفة منها الصور والفيديوهات وثم مناقشة ما شاهدوه ليختلف بعدها التفكير.
كما لفتت إلى أن تعاملها مع الأطفال الذكور في سن مبكرة ساهم في تغيير أفكارهم بشكل إيجابي بدأوا في تطبيقه بشكل عملي من خلال أخوتهم من الإناث عبر رفضهم ممارسة عادة الختان لهم، واستخدام الوسائل الإقناعية التي تعلموها منهم فيما يتعلق بمخاطر وأضرار الختان، وهو ما ترى مرفت أنه سوف ينعكس في المستقبل على قراراتهم تجاه بناتهم عندما يصبحوا آباء.
أما الأكثر تأثيرًا في الوسائل الإقناعية بحسب تجربة مرفت، فهو العروض المسرحية التي يقدمها الأطفال عبر أنشطة بلان والتي تكشف الجانب الآخر من الختان، لذلك يكون التفاعل معها كبير، والإعداد لهذه العروض يكون من خلال تنظيم معسكرات يتم خلالها عرض صور وأفلام ومادة علمية خاصة بالنوع الاجتماعي وختان الإناث.
كلمة السر "بنت اسمها ذات"
مروة 33 سنة تعمل بالتدريس في إحدى فصول محو الأمية لتعليم الكبار وبالتحديد السيدات، قالت إنها تستمتع بعملها لأن كثيرًا من السيدات تكون لديها الرغبة لاستكمال تعليمها وغالبًا ما يكون ذلك صعبًا بسبب بعد المدرسة، ولكن عملي وفر لهم الوسيلة لتحقيق حلمهم دون الحاجة للخروج من قريتهم.
تقول مروة إن ختان الإناث بالنسبة لهم هو عادة متوارثة، ولكن مع تنظيم بلان إنترناشيونال للمعسكرات والأنشطة وندوات التوعية والزيارات المنزلية قبل حوالي عام تغير التفكير بشكل إيجابي، وقالت:"كنا نشاهد إعلانات التوعية في التلفزيون وينتهي الإعلان ولا نكاد نتذكر مضمونه، ولكن رسائل التوعية المباشرة مع الشرح والنقاش لها أثر أقوى كثيرًا، وقبل المعكسرات التي حضرتها كنت أعتبر ختان الإناث عادة ورثناها من أجدادنا مثل أي عادة أخرى، لكن عندما عرفت الأضرار ولمست أسباب معاناة أعيشها، لذلك أصبح أثر رسائل التوعية مختلف؛ لأني أصبحت أساهم في نشره وتعريف غيري به".

لكن عند عرض رسائل التوعية على غيرها لا يكون رد الفعل فوريًا كما قد يتصور البعض، لأن الأمر يحتاج إلى وقت، فهي قناعات كبرت معهم وعند عرض الرسائل عليهم لأول مرة عادة ما يكون الرد:"إحنا طول عمرنا بنعمل كده انتي يعني هتمشينا على مزاجك"، لكن مع تكرار النقاش إضافة إلى عرض لقطات من مسلسل "بنت اسمها ذات" وبالتحديد التي تحدثت فيها البطلة عن تجربتها مع الختان في حياتها من الناحية النفسية، وأثره عليها في حياتها الزوجية، ثم موقفها الرافض لختان ابنتها.
أوضحت مروة أنه فيما يتعلق بالدين كانت ترد من خلال الاستعانة بالفتوى الصادرة عن الأزهر الشريف، هذا بالإضافة للجوانب الطبية والقانونية التي تعرضها باستفاضة، وترى النهج الأفضل في مناهضة ختان الإناث يتمثل في التوعية على الجانبين للأطفال ولأسرهم، أضافت أنها ترفض التخويف بالقانون الخاص بتجريم ختان الإناث، وترى أفضلية تغيير القناعات لأنها تبقى طويلًا ويمكن أن تنتشر.
"فريجة" اسم على مسمى
اسمها معناه الفرج وهي بمثابة طاقة نور تبث شعاعها لتنير حياة الآخرين، فعادة قرار ختان الفتيات يكون قرار الجدة؛ وهي الأكثر تأثيرًا لدى أبنائها وكلمتها لا ترد، والحاجة "فريجة محمد فريد" نموذج فريد بالفعل اسم على مسمى، وهي سيدة في بداية عامها السبعين تحمل لواء التوعية بمخاطر وأضرار ختان الإناث، وفي سبيل ذلك تفتح بيتها لاستقبال السيدات ولا سيما الجدات لإقناعهم برفض ممارسات الختان الضاره.
_20221017213302.jpg)
قالت "فريجة" إن ابنتها بعد خضوعها للختان كان أثره النفسي والجسدي عليها سيئًا، وظلت تلومها طوال الوقت بسبب ما عانته من مشاكل جسدية، علاوة على الألم النفسي الذي لم تتجاوزه؛ لذلك كرهت "فريجة" الختان، ورفضت إجراءه لحفيداتها من الإناث، وقبل حوالي عام عندما بدأ نشاط بلان إنترناشيونال الخاص بالتوعية بمخاطر وأضرار ممارسة ختان الإناث تحمست كثيرًا للأمر، لأنه يوافق ما وصلت إليه بفطرتها من رفض للختان رغم ما سمعته من عبارات رافضة من زوجات أبنائها وبعض أقاربها، وكانت ترد بالحديث عن الأثر السلبي للختان على ابنتها في حياتها وحتى عند الولادة.
قالت "فريجة" بلهجتها الصعيدية الجميلة: إنها وجدت ضالتها عندما عرفت أهداف حملة التوعية وأصبحت تستهدف الجدات، ولكن توضح أنها أصرت على استخدام أساليب إقناعية تعتمد على الأسلوب الهادئ في الحديث وتختم حديثها دائما بالقول:"كل واحد يعمل اللي يريحه"؛ لذلك كانت إذا تجنب دعوة الرافضات للختان للمناقشات التي تنظمها في بيتها، وخاصة أنهم يوجهون لها اللوم على استضافة أنشطة الجمعية، وفي المقابل كانوا يغضبون ويصرون على الحضور، وأوضحت أنها تؤكد دائمًا أن كل ما تهدف إليه، حماية الفتيات مما يسبب لهم الضرر.
فيما يتعلق بأن الختان عادة متوارثة قالت "فريجة" إنها دائمًا ترد بالقول إن العادة إذا ثبت ضررها يجب التوقف عنها، وأننا يجب أن نفكر في كل أمور حياتنا وليس مجرد تكرار ما فعله أجدادنا؛ وهي العبارة التي تجذب الكثيرات لسؤالها عن المخاطر الصحية لختان الإناث.
مندرة "محمد" طاقة نور
ليست كل العادات الموروثة خاطئة ويجب تركها، "محمد عبدالنعيم نصر" 58 سنة، نشأ منذ طفولته ليجد والده يستضيف في مندرة منزله الجميع لتتم فيه الاتفاقيات وجلسات الصلح والمناسبات السعيدة أيضًا، والمندرة هي غرفة ملحقة بواجهات المنازل في صعيد مصر مخصصة لاستقبال الضيوف.
كبر الحاج محمد ليصبح هو الآخر بيته مفتوحًا، وعندما عرضت عليه حملة التوعية التي نظمتها هيئة بلان إنترناشيونال للتوعية بمخاطر ختان الإناث، استجاب على الفور، واقتنع هو وزوجته بمخاطر تلك العادة المتوارثة، وأصبح بيته بمثابة منارة تنشر المعرفة بمخاطر ممارسات الختان إلى أهالي بلدته في أسيوط.

تغير تفكير الحاج محمد كان نتيجته رفضه إجراء الختان لابنته الصغرى، وهو ما يذكره لضيوفه ويردد دائمًا عبارة "يهمني البنت أكثر من القانون"، متسائلًا ما الفائدة التي تعود على الفتاة إذا عاشت بعاهه أو ألم نفسي؟، ويحكي عن تقبله على الفور تنظيم معسكر توعية في منزله بحضور أهالي البلدة من أجيال مختلفة ليجلس هو مع الشباب والرجال وتجلس زوجته مع السيدات والفتيات، ويتحدثان إليهم عن المخاطر والأضرار التي يسببها الختان، وفي النهاية يتحدثون عن القانون الخاص بتجريم ممارسة الختان، والذي يحفظه الحاج محمد عن ظهر قلب، وفي نهاية الجلسة يقرأون الفاتحة على التوقف عن ممارسة الختان لبناتهم.
يكمل قائلًا إن عادة الختان لم تذكر في القرآن ولا في الإنجيل ولا يوجد أي دليل على صحة ممارستها، ولو كان ذلك صحيحًا كان النبي محمد هو أولى من يطبق هذا الأمر على بناته وزوجاته، وهو ما لم يحدث.
الرياضة للتوعية بمخاطر الختان
لم يكن الشاب العشريني مصطفى، يشغل باله كثيرًا بما يعنيه ختان الإناث ولم يفكر في الحاجة لمنعه أو استمراره، ولكن الصدفة وحدها غيرت حياة مصطفى، ودفعته في اتجاه العمل التطوعي القائم على التوعية وتغيير الفكر السائد تجاه الممارسات السلبية التي تتم تجاه الفتيات.
يقول مصطفى: إن أحد أقاربه دعاه لحضور تدريب تنظمه بلان إنترناشيونال رفض في البداية ثم عاود التفكير وقرر الحضور، لتتبدل تمامًا أفكاره، والطريف أن بعض زملائه في الدراسة يسخرون من نشاطه لكنه يرد عليهم بكل ثقة ليشرح أهداف العمل التطوعي الذي يمارسه وأهميته، ويضيف:"أناقش بهدوء وبالمنطق، مستخدمًا ما تعلمته وعرفته من أسباب صحية ودينية وقانونية تجعل من ممارسات ختان الإناث وسيلة إيذاء للفتيات تعرض حياتهم للخطر".

يكمل مصطفى، قائلًا: إن ما تعلمه انعكس على دوره داخل بيته من حيث وعي أسرته وحقوق أخوته من الإناث، كما أصبح يناقش الأمهات عبر الأنشطة التي تنظمها الجمعية لتوضيح مخاطر وأضرار الختان، ومنها يوم رياضي تنظيمه شمل إجراء أنشطة رياضية بسيطة وألعاب تم من خلالها شرح وتوضيح كل ما يتعلق بعادة ختان الإناث، وتم خلاله استخدام الصور والفيديو وإجراء المناقشات التي ساهمت في تغيير الفكر السائد في مجتمعه المحلي في أسيوط تجاه ممارسات ختان الإناث.
إضافة إلى ما تعمله مصطفى عبر نشاطه حرص على تعلم المزيد من المعلومات عبر بحثه على الإنترنت، وقام بتجميع كافة الأدلة التي تؤكد أن ختان الإناث ليس له أي أصل ديني، ويحكي أنه شارك في حملات توعية أُطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه التجربة علمته النقاش الهادئ واستخدام أساليب إقناع منطقية.
أكثر موقف تأثر به مصطفى كان العبارة التي رددتها إحدى السيدات أثناء نشاط التوعية حينما قالت:" إنتم كنتم فين من زمان"، وكانت تعبر عن تمنيها عد إجراء ممارسة الختان الضاره لها، وذلك لما روته من تضررها من آثار الختان، الصحية عليها.



