أخطر قضايا الاستقطاب الاجتماعي في كل قضايا الاستقطاب في مصر الآن التي ربما لا يراها أحد بقدر حجم خطورتها هي الصورة الذهنية للمدرسة في مصر.
ولا شك أن الاستقطاب النخبوي وانتشار ثقافة المسموع المرئي والحضور الحاد لهذا الاستقطاب على وسائل التواصل الاجتماعي، وبفعل وجودها وحيويتها وسهولة استخدامها وانتشارها اللامحدود قد أثر بشكل ملحوظ على الصورة الذهنية للمدرسة.
أما المدرسة فقد كانت في مصر ولا تزال هي المكان الأول لصنع فكرة المواطنة والمساواة في الحق في التعليم.
أما تكاثر الحديث عن المدرسة كمكان للتحرش الجنسي بالأطفال فهي مسألة صارت متواترة بشكل مخيف.
ولا شك أن الاعتراف العام في مصر على المستوى الرسمي والشعبي بضرورة تطوير التعليم، ورصد العديد من المشكلات في عناصر العملية التعليمية في مصر والاتفاق على تجسد تلك المشكلات على أرض الواقع وتراكمها وضرورة مواجهتها لهي تلك الأرض الخصبة لإمكانية حدوث انهيار للصورة الذهنية للمدرسة.
وعلينا الآن أن نؤكد على بديهية أساسية ألا وهي عودة انضباط حضور وتواجد الطلاب داخل المدرسة كشرط جوهري لحضور اختبارات العام الدراسي المتعددة وتحقيق الانضباط داخل المدرسة.
في المدرسة أنشطة وعدد من الإخصائيين الاجتماعيين وهي أدوار يمكن تفعيلها بسهولة ودقة وسرعة لعودة مكانة المدرسة المعنوية كمكان محبب للأطفال، وكمصدر ثقة للمجتمع المحيط بها وكأداة لتحقيق العدالة الاجتماعي وإن غيرت أزمة الاعتداء على المدارس من أولياء الأمور من الصورة الذهنية للمدرسة، وقد كانت ظاهرة مؤسفة منذ سنوات إلا أنها انتهت بخير وسلام.
وحديثي هذا عن مدارس الدولة بمختلف أنواعها، بعيداً عن المدارس الخاصة والمدارس الدولية.
ولعل من حسن حظ أهل التربية والتعليم والذين يؤدون رسالة سامية سرية الطابع لا يراها أحد، ولا تقدر حقاً بأجور مادية إن أحسنوا تلك المهمة، والذين يتقون الله من مدرسين مصر كثر والحمد لله.
إلا أن الرؤية المنطقية لعودة دورهم الفاعل تبدأ حقاً بتقييم قدرتهم على الحضور في الحياة الاجتماعية.
أذكر عندما كنت طالبا في المرحلة الابتدائية، أن الزي الرسمي الكامل كان ضرورة كي يدخل المدرس الفصل وكان الناظر والتفتيش يتابع هذا الزي الرسمي ويتابع المستوى العلمي للطلاب.
وحديثي هذا يحاول النفاذ بالتفاصيل البسيطة إلى جوهر الهدف، وهو قدرة ممكنة لضبط الشكل كي نضبط المضمون، مع قدرة على حضور جاد في متابعة حقيقية لتواجد التلاميذ في المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم.
وبالتأكيد إذا ما عادت المدرسة مكاناً أنيقاً جاذباً بالأنشطة يحضر إليه التلاميذ حضورًا حقيقيًا سيؤدي ذلك إلى نقلة نوعية مؤكدة في مستوى التعليم العام في مصر.
ولذلك فالهيبة والدور الاجتماعي للمدرسة ضرورة عاجلة حرصاً على كسر حالة الاستقطاب السلبي في الصورة الذهنية للمدرسة والتي بدأت من المدارس الخاصة والدولية لتلقي بظلالها على فكرة المدرسة وكأنها ساحة ممكنة للتحرش الجنسي بالأطفال.
فهل تستعيد وزارة التربية والتعليم عبر قناتها الفضائية وعبر الإعلام الرقمي حضورها الحي في مجانية التعليم بالتركيز على النماذج الإيجابية وتوفير الوقار والأمن لعمل المدرسة ومحيطها الاجتماعي وانضباطها؟
ربما تكون تلك الملاحظات ضرورية الآن بعيداً عن قضايا التعليم الجوهرية وتطويره وجودته، وهي القضايا التي تحتاج لعمل تراكمي كبير.
وهي أمور لا تحتاج للمال الكثير ولا لأعباء تكنولوجية قدر ما تحتاج للمتابعة والضبط.
أملاً في عودة المدرسة الملاذ التي كانت هي الباب الكبير للصعود الاجتماعي في مصر ورأس العدالة الاجتماعية والأمل الكبير.
يحتاج رجال التربية والتعليم في مصر لمن يقول لهم شكراً ونحتاج لرؤية المتميزين منهم كنجوم مجتمع، ونحتاج لعودة الصورة الذهنية الإيجابية للمدرسة المصرية، بعيداً عن خطر الاستقطاب السلبي في صور ذهنية مرعبة عن مدرستنا المصرية العظيمة رغم كل شيء.



