كان كل منهم مختلف تماماً مع الآخر، ظل الأول يتحدث ضد الثاني بكلام قبيح وخاض الثاني في عرض الأول إلا أنهم حينما التقوا وجها لوجه أخذوا بعضهما بالأحضان والمدح وحلو الكلام.
وسط حيرة وذهول من المحيطين، ظن البعض أنه تم تصفية النفوس أخيرا إلا أن المشهد بنفس تفاصيله تكرر بعدها مرة ومرات، فسقط هؤلاء في أعين الآخرين.
ترى ما الذي يضطر شخص أن يفعل شيء عكس ما يبطن؟ أنه النفاق يا عزيزي، وللاسف كما قال صلاح عبد الصبور "لا أدرى كيف ترعرع فى وادينا الطيب هذا القدر من السفلة والأوغاد" ونضيف لهم والمنافقين.
أنه النفاق يا عزيزي، الذي يزداد حينما يستخدم ذوي النفوذ أو السلطة عصا التخويف لمن هم تحتهم، فيبالغ هؤلاء في مدحهم وطاعتهم ويزداد النفاق عرضاً وطولا وارتفاعا وعمقا، وتصاحبه عدة أمارات كتقديم الهدايا أيضاً.
ربما يقول البعض أن الكراسي تكشف طبيعة النفوس هل هي سوية أم مريضة؟ ولكنها أيضاً تكشف معدن من لا يجلسون عليها، سواء كانوا منافقين أم لا.
مبالغة استخدام النفوذ والسلطة لتهديد الآخرين ينبع من نفس مهانة جائعة للحب والاهتمام والتقدير، هؤلاء يبحثون دائما عن أنماط من البشر يمكنهم التسلط عليهم، وهنا تبدأ لعبة الاسترضاء، حين يظهر سقم نفوسهم في كلام تهديد وتخويف وأذى، فيضطر الآخر المبالغة في المدح والتمجيد والاسترضاء ويستمر المنافقون حتى لو بشكل مهين لنفوسهم في حقنهم بمخدر الاسترضاء حتى تشبع الذات الجائعة للاهتمام أو المدح والثناء، إلى وقت أن يبطل عمل مخدر الاسترضاء ثم تعاد الكرة مرة أخرى.
يقول البعض هذا عيب المشوهين نفسياً، من يتسلطون على غيرهم بهذه الطريقة القبيحة، ولكنه أيضاً عيب المنافقين الذين أعطوا لهم اهتماماً ومكانا لا يستحقونه، أو كما يقول المثل يا فرعون مين فرعنك، ملقتش حد يلمني!



