الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

حكاية البربرُ والطوارقُ ودورهم في ازدهار التجارة الصحراوية

د. إسماعيل حامد
د. إسماعيل حامد

شكل البربرُ، في أغلب الظن، همزة الوصل الحضارية بين كل من الفينيقيين في مناطق شمال الصحراء من ناحية، وبين الشعوب والقبائل الإفريقية المحلية في جنوب الصحراء من ناحية أخرى قبل الإسلام، حيث كانت العديد من جماعات وبطون البربر هاجرت من شمال إفريقيا إلى جنوب الصحراء، ثم تاجر هؤلاء البربرُ مع السكان الأفارقة المحليين في الجنوب. 

ولقد قام البربر بدور الوسطاء التجاريين بين كل من شمال وجنوب الصحراء منذ ما قبل أن تحولوا لاعتناق الإسلام. وعن هذا الدور المهم، يُشير البعض، ومنهم "رولاند أوليفر" وغيره، إلى أن قبائل البربر الرعوية كانت تمثل "العامل الوسيط" بطبيعة الحال في الصلات بين الشمال والجنوب، فاتصال البربر بـ"الشعوب الزنجية" أمرٌ قديم جدًا حتى أن البعض يذهب في تأريخ تلك الصلات القديمة لاسيما التجارية منها لما قبل حقبة المدنية والحضارة التي شهدتها بلاد حوض البحر المتوسط في العصور القديمة. 

ويحدد بعض الباحثين، ومنهم مارك كيرلانسكي أن أقدم الرحلات التجارية المعروفة بين السكان في شمال وجنوب الصحراء ترجع لحوالي القرن 10 ق.م. كما يشير البعض إلى أن أحد الرحلات التجارية لقوافل الإبل بين كل من مدينتي تاوديني وتمبكتو (تنبكت) في العصر الوسيط لمسافة أكثر من 435 ميلاً كانت تضم تلك القافلة قرابة ألف من الإبل التي كانت تحمل ألواح الملح. 

ولاريب أن هذا الرقم الآنف تبدو فيه كثير من المبالغة، لكنه يؤكد على مدى ازدهار الحركة التجارية بين شمال وجنوب الصحراء. 

ويُرجح أن تلك الصلات ظلت قائمة بين طرفي الصحراء شمالاً وجنوبًا منذ سادت "الظروف المناخية" الرطبة، وحلول مرحلة الجفاف خلال الفترة التي تمتد منذ حوالي الألف الرابع أو الثالث قبل الميلاد، أو ربما في حقبة زمنية قبل ذلك أيضًا بحسب رؤية البعض. 

ويُعتقد أن الهجرات البشرية إلى غرب الصحراء، وهي ذاتها بلاد "السودان الغربي" كانت تتم بشكل طردي، وهو ما يتناسب مع التغيرات المناخية الحادثة التي كانت قد حلت بآراضي الصحراء وأقاليمها. 

ونظرًا لأن الصحراء الكبرى كانت تمثل مناطق خضراء عُشبية واسعة الامتداد منذ القدم، وهو ما جذب بدوره قدوم عدد من الجماعات الأصلية المهاجرة قادمة من جنوب الصحراء، وكانوا بالطبع من ذوي الأصول الإفريقية، لاسيما من الجماعات الزنجية المحلية التي آثرت الاستقرار في تلك المنطقة التي ينتشر فيها العشب والمراعي. 

ولما حلت مرحلة "الجفاف" في أقاليم الصحراء، أدى ذلك بدوره لحدوث هجرات عديدة معاكسة قامت بها العديد من الجماعات الإفريقية التي كانت تسكن شمال الصحراء، ومن ثمة الذهاب صوب أقاليم جنوب الصحراء ذات الطبيعة التي يغلب عليها انتشار الغطاء الأخضر حيث موطنهم الحالي.

تم نسخ الرابط