حكاية شعب “وكد” وتراثهم الأسطوري في غانا
تعتبر مملكة "وجدو"، أو "وجادو"، وكذلك "وكد"، بحسب الروايات القديمة؛ أقدم الممالك المعروفة لنا التي أسسها شعب السوننك في غرب إفريقيا، وتحديدًا في أرض غانة القديمة.
وعن تأسيس السوننك لهذه المملكة (أي وجدو)، يشير المستشرق شارل مونتي بقوله: "ويعتبرهم الآخرون (يقصد السوننك) مؤسسين للإمبراطورية الأقدم، حيث يحتفظ أهل المنطقة بذلك في ذاكرتهم.
فإمبراطورية وجدو القديمة عند شعب السوننك والتقاليد التاريخية- إذا أمكن القول- قد حفظها المتخصصون المحليون منهم، وهم الذين يسميهم العوام من السوننك باسم: "الجيسيرو" (ومفردها جيسيري)، "ويُبجل هؤلاء التراثيون بلقب (فيدي)، ويمكن أن تترجم بلغتنا المعلم، أو السيد".
غير أن الاسم الذي يبدو الأكثر ذيوعَا في ثنايا الدراسات الحديثة "وجادو".
وعن تأسيس هذه المملكة الإفريقية القديمة (وكد)، يقول موسى كامرة في روايته: "وزعموا أن كيفية ابتداء وكد أن أهلها قبل سكناها هاجروا يطلبون مسكنا راكبين خيولهم، يجولون حتى مروا تحت نسر على شجرة، والنسر لا ريش له، وسألهم النسر عن حاجتهم، فقالوا نطلب مسكنا. فقال (النسر) أعرف مسكنًا يكثر فيه الذهب والفضة كالمطر، فقالوا دلنا عليه، فقال لا أقدر على الطيران لانحصاص ريشي بالجوع..".
ثم تمضي ذات الأسطورة حول تأسيس مملكة السوننك بأن أهل وكد (وجدو) كانوا قد أطعموا هذا النسر حتى نما ريشه مرة أخرى بفضل لحم الخيل الذي قدم له، ثم قادهم النسر لمكان وجادو (وكد)، ثم سكنوا هناك في هذه الأراضي الغانية.
ثم تذكر أسطورة السوننك أنهم وجدوا هناك ثعبانًا ضخما كأنه الفيل، وطلبوا منه أن يسنوا معه في هذه الأرض، ووافق الثعبان بشرط أن يقيموا له قربانًا عبارة عن فتاة جميلة بكر من بناتهم كل سنة، وقد وافقوا على ذلك.
ومما يلفت الانتباه أن بعض الروايات الشفاهية في بلاد السودان الغربي تشير إلى أن سكان مملكة "وكد" ربما كانوا من ذوي الأصول المصرية، ويقال إنهم كانوا قد هاجروا من مصر إلى هذه البلاد.
يقول صاحب "زهور البساتين": "وزعم سارن إبراهيم دو من أهل ولف في ذكر هجرتهم من مصر إلى فوت (جالون) وجلف أن وكد سميت باسم أحد من كبراء تلك الهجرة جكاو– كاد، وأن مندق من كلام ولف، وذلك أنهم لما هاجروا من مصر إلى وكد، فسكنوا فيها".
ولا ندري حقا مدى حقيقة مثل تلك الرواية، لكن من المؤكد أنها إشارة تاريخية مهمة جدًا للباحثين من أهل التخصص.
ثم تذكر الرواية: "ثم لما فسدت هاجروا إلى مندق، وأرسلوا قوما منهم يطلبون لهم مسكن من سبقهم إلى المغرب من الذين خرجوا من مصر أولا، فسكنوا في جلف قبلهم، وهم سابور منجفاي ويلب عال.. فهم أول من هاجر من مصر، وسكنوا في جلف كما زعم. فلما ذهب رسل أهل وكد، ووصلوا جلف رأوهم، ورجعوا إلى قومهم..". ومن المؤكد أن الإسلام كان قد دخل "مملكة غانة" منذ القرون الهجرية المُبكرة، وهو ما يبدو جليًا من خلال العديد من روايات المُؤرخين المسلمين.
وتُعد رواية البَكريّ" (المتوفى سنة: 487هـ/ 1094م) عن "مملكة غانة" القديمة من أهم ورد في المصادر حول تلك المملكة، وعاصمتها كومبي صالح".
ويَذكر البكريُ في ذات الشأن أن الحاكم أو الملك في بلاد غانة في أيامه (أي حوالي سنة 460هـ/ 1067م) كان يُدعى الملك "تنكامنين"، وهو الذي ارتقى سُدة العرش في حوالي سنة 455هـ/ 1063م. وكان قد حكم مملكة غانة- قبل أن يرتقي عرش هذه البلاد الملك "تنكامنين"- حاكمٌ يُدعى باسم: "بسي".
وكان هذا الأخير فيما يقال خالًا للملك "تنكامنين"، وهو الذي كان معاصرًا لأيام البكري. وكان الملك الغاني القديم "تنكامنين"- فيما تذكر المصادر- ملكًا محمود السيرة، وكان حاكما مُحبًا للعدل، وكان هذا الملك يُؤثر المسلمين، ويُقربهم منه، هذا رغم أنه لم يذكر أنه كان يدين بالإسلام.
وبحسب الروايات فأول الملوك الذين حكموا غانة كان يدعى (كيمع)، وكان يحكم خلال القرن 4 الميلادي، أما ثاني الملوك فاسمه: (كارا) خلال القرن 4م، أما (كتسغي) وكان يحكم خلال القرن 7م، وكان معاصرًا فيما يقال لأيام النبي محمد (ص). وربما كانت هذه الحقبة المبكرة تعاصر مملكة وكد، أو وجدو في أراضي غانة القديمة.



