د. نهلة صلاح تكتب: الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي
يتحقق الأمن الغذائي حينما يصبح لدى جميع الأفراد في جميع الأوقات القدرة الاقتصادية والاجتماعية للحصول على الغذاء الكافي والآمن بكامل عناصره الغذائية للوفاء باحتياجاتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية.
والأبعاد الأربعة الرئيسية للأمن الغذائي: التوفُّر المادي للغذاء: يتناول توفُّر الغذاء "جانب العرض" من الأمن الغذائي، ويتحدد حسب مستوى إنتاج المواد الغذائية.
كما أن الحصول المادي والاقتصادي على المواد الغذائية: إن العرض الكافي من المواد الغذائية على المستوى الوطني أو الدولي لا يضمن في حد ذاته تحقيق الأمن الغذائي على مستوى الأسر.
وقد أدت المخاوف بشأن عدم كفاية الحصول على المواد الغذائية إلى تركيز السياسات على نحو أكبر على الدخل والإنفاق والأسواق والأسعار في تحقيق الأهداف المتعلقة بالأمن الغذائي.
- الاستفادة من المواد الغذائية: هي الطريقة التي يحقق بها الجسم أقصى استفادة من العناصر الغذائية المختلفة التي تحتوي عليها المواد الغذائية.
ويُعد تناول الأفراد ما يكفي من العناصر الغذائية التي تمدهم بالطاقة والمغذيات نتيجة للرعاية الجيدة وممارسات التغذية، وطريقة إعداد الطعام، وتنوع النظام الغذائي، وتوزيع الطعام داخل الأسرة. وإلى جانب الاستفادة البيولوجية الجيدة من المواد الغذائية التي يتم تناولها، فإن هذا الأمر يحدد حالة التغذية لدى الأفراد. استقرار الأبعاد الثلاثة الأخرى بمرور الوقت: حتى لو كانت كمية الطعام التي يتناولها الشخص كافية اليوم، فلا يزال يُنظر إليه على أنه يعاني من انعدام الأمن الغذائي إذا لم تكن لديه القدرة الكافية على الحصول على المواد الغذائية بصفة دورية، مما يعرضه لخطر تدهور حالته الغذائية.
ومن أجل تحقيق أهداف الأمن الغذائي، يجب تحقيق جميع الأبعاد الأربعة في آن واحد.. يعتبر الأمن الغذائي من التحديات الرئيسية في الوطن العربي، فعلى الرغم من توفر الموارد الطبيعية من الأرض والمياه والموارد البشرية، فإن الزراعة العربية لم تحقق الزيادة المستهدفة في الإنتاج لمقابلة الطلب على الأغذية، واتسعت الفجوة الغذائية وأصبحت الدول العربية تستورد حوالي نصف احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسية.
وقد ازداد اهتمام الدول العربية بتوفير احتياجاتها من الأغذية في أعقاب الأزمة الغذائية العالمية الحادة وتمثلت في مضاعفة أسعار السلع الغذائية الرئيسية، وتقلص الواردات منها، مما دعا الدول العربية إلى اتخاذ إجراءات استثنائية مثل دعم أسعار الأغذية وتقنين تصدير السلع الغذائية وإلغاء الضرائب على الواردات وزيادة أجور العاملين. يعني مفهوم الأمن الغذائي.
وتعتبر زيادة إنتاج المحاصيل الزراعية لتلبية احتياجات الاستهلاك المحلي من السلع الغذائية إحدى المقومات الرئيسية للأمن الغذائي.
وقد تمكنت الدول العربية من تحقيق الاكتفاء وفائض تصديري في بعض السلع الغذائية الخضروات والأسماك.
ورغم تحقيق زيادة في إنتاج الحبوب والمحاصيل الأخرى، فإن قيمة الفجوة للسلع الغذائية الرئيسية استمرت في الارتفاع.
واستمر العجز في عدد من المحاصيل الرئيسية، وتتحكم مجموعة من العوامل والمحددات في الإنتاج الزراعي وحجم الفجوة الغذائية في الدول العربية تتمثل في قلة المساحة المزروعة وشح الموارد المائية وتدني كفاءة الري وقلة مساحة الأراضي المروية.
يعاني القطاع الزراعي من "فجوة تكنولوجية" تتمثل في عدم تلبية مخرجات البحوث الزراعية لمتطلبات التنمية الزراعية، ومن معوّقات الأمن الغذائيّ افتقار الدولة إلى مصادر المياه أو سوء استغلالها والتركيز على الزراعات المروّية بدلاً من الزراعات التي تعتمد على مياه الأمطار، افتقار الدولة لوجود الأراضي الزراعيّة الصالحة للزراعة، أو اعتماد الزراعات فيها على الظروف المناخيّة المُتذبذبة من عامٍ لآخر.
كما ان ارتفاع أعداد السكان بطريقةٍ تفوق متوسط معدلات نموّ الإنتاج الزراعي، كما أنّ هذه الزيادة قد تُؤدّي إلى تغييرٍ جذري في توزيع السكان خاصةً إذا رافقها هجرة السكان من الريف إلى المدن، ممّا يُؤدّي إلى تراجع الإنتاج الزراعيّ، التصحّر واستنزاف الإنسان للأراضي الزراعيّة والزحف العمرانيّ، تحسّن الوضع الاقتصاديّ في البلاد ممّا يُؤدّي إلى تغيّر النمط الغذائي للأفراد وقلّة الأفراد العاملين في المجال الزراعيّ، افتقار الدولة للانسجام بين القطاع الزراعي والقطاع الصناعيّ.
حيث يتمّ التركيز على تطوير القطاع الصناعيّ وزيادة إنتاجيته على حساب القطاع الزراعيّ الذي يتمّ إهماله ممّا يُؤدّي إلى قلة الإنتاج، على الرغم أنّه من الضروريّ أن تسبق ثورةً خضراء الثورة الصناعية، لأنّ الثورة الخضراء ستزيد من الإنتاج الزراعيّ ممّا يُؤدّي بشكلٍ تلقائيّ إلى تطوير الصناعة وإيجاد الطرق لتصريف هذا الإنتاج.
كما أن الدول العربية لديها من الثروات والموارد الأرضية والمائية والبشرية والتقنية والمادية ومن التجارب ما يكفي لتحقيق الأمن الغذائي العربي، إذا ما تم اتخاذ التدابير اللازمة لحماية وتطوير استخدام تلك الموارد، والحفاظ على المهدور منها وضمان ترشيد استغلالها وحسن توظيفها. وذلك من خلال تنفيذ الاستراتيجية العربية للتنمية الزراعية التي ترتكز على إعداد وتنفيذ خطط وبرامج مشتركة لحصر ومسح وتصنيف ورصد الموارد الطبيعية الزراعية واستصلاح الأراضي، وإقامة شبكات متطورة لرصد المياه السطحية والجوفية وتعزيز توفير المعلومات، والتوسع في الري الحديث، والإنتاج المشترك لبعض مستلزمات الإنتاج، والعمل المشترك لمكافحة الملوحة والتلوث.
أيضا يتطلب تحقيق الأمن الغذائي مواجهة التطورات والتحديات العالمية في مجال اقتصاد السوق وتحرير التجارة من خلال إقامة تكتل اقتصادي عربي لتقوية الموقف العربي مع الدول والتكتلات الاقتصادية الأخرى.
- د. نهلة صلاح زيدان "أستاذ علوم الغذاء والتغذية"



