أوكار الجاسوسية تقود أمريكا إلى "أرض الصفر"
في وسط البنتاجون بمدينة نيويورك يوجد مقهى صغير بين الحدائق، يطلق عليه مقهى "جراوند زيرو"، والتي تعني أرض الصفر أو نقطة الصفر، سمى ذلك لأنه يُعتقد في حالة نشوب حرب نووية، سيتم وضع رؤوس الأعداء أعلى المقهى مباشرةً، كإنذار لخروج مسؤولي وموظفي البنتاجون من واشنطن.
ولـ"أرض الصفر" ذكرى سوداء في الذاكرة الأمريكية، وهى تشير إلى أحداث 11 سبتمبر، حينها تم الإشارة إلى وقع مركز التجارة العالمي باسم Ground Zero أرض الصفر، فهرع الآلاف للبحث عن الناجين، وهو ما يتحدثون عنه اليوم على مقهى جراوند زيرو حال هاجمهم صاروخا صينيا.
هذا ليس دعابة وليس رتوش من الخيال، وإنما رمزا لشئ واقعي، فالحرب بدأت تفقد برودتها، والأمريكيون يستشعرون الخوف من التداعيات في ظل التطويق العسكري الصيني الأكثر إحكامًا هذا الأسبوع مع الكشف عن خطط الصين لإنشاء مركز تجسس جديد في كوبا، وفقا لقصة قصيرة نشرها موقع "ويسترن ستاندارد".
وقد قالت صحيفة وول ستريت جورنال إن الصفقة غير السرية مع كوبا لإقامة محطة تنصت إلكترونية على بعد أقل من 100 ميل من الشاطئ الأمريكي، ستسمح للحزب الشيوعي الصيني بالاستماع إلى اتصالات عشرات القواعد العسكرية الأمريكية.
وباتت جهود الصين للتجسس والتي تتخذ الاستثمار في البنية التحتية حول العالم غطاء لأغراضها العسكرية، فقد أنفقت مليارات الدولارات لكوبا للحصول على إذن لبناء منشأة تجسس، مضيفًا أن البلدين توصلا إلى اتفاق من حيث المبدأ، وفقًا لمسؤولي المخابرات.
"الخروج عن السيطرة"...
وبالنظر إلى أن العلاقات بين واشنطن وبكين قد وصلت إلى مستوى جديد من التوتر، منها تحركاتها في المجال الجوي الدولي في المنطقة وفي الممرات المائية الدولية، واعتراضاتها للطائرات الأمريكية وطائرات حلفاء أمريكا، مرورا برفض بكين الواضح لاستعادة الاتصالات العسكرية رفيعة المستوى، وصولا إلى فضلا عن رفض وزير الدفاع الصيني مقابلة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، ما يعني أن الأمور قد "تخرج عن نطاق السيطرة".
ويشير المسؤولون الأمريكيون إلى المواجهة الأخيرة بين الطائرات العسكرية فوق بحر الصين الجنوبي هى دليل على ارتفاع مخاطر الحرب الباردة، وهى واحدة من بين سلسلة من الحوادث المماثلة التي تورطت فيها الولايات المتحدة الأمريكية مع دول أخرى في الأشهر الأخيرة، ولكن مع الصين يختلف الوضع، إذ اشتبكا حول جهودهما المتنافسة لتوسيع نفوذهما في المنطقة.
حلم الـ 100 عام يتحقق..
الصين أظهرت "عدوانًا لا يصدق" تجاه الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة، هكذا يبدو القلق والخوف على لسان المسؤولين الأمريكيين، وهو ما صرح به رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب مايك تورنر، "إذا نظرت إلى البالون الذي حلّق فوق الولايات المتحدة، وعدوانيتهم ضد طائراتنا وسفننا في المياه الدولية، فإنها توضح ما قاله الرئيس الصيني عندما وقف بجوار بوتين في روسيا، مهددا "إننا نحاول إحداث تغيير لم يحدث منذ 100 عام".
"صنع في الصين"، هذا الشعار كان محط اهتمام الأمريكيون ومصدر جذب للصناعات الصينية، ولكنه اليوم حينما يقال في الشارع الأمريكي، فإنه يرمز للجاسوسية، فقد يكون ملصقا به جهاز تنصت أو تتبع، هكذا علق النائب الجمهوري مايكل والتز على أزمة التجسس الجديدة.
وأضاف "لقد رفع الستار عن تفوق الصين عسكريا واستخباراتيا على الإدارة الأمريكية، وتمكنت بكين من الوصول إلى كل عنصر من عناصر القوة الوطنية والدبلوماسية والمعلوماتية والعسكرية والاقتصادية والتجسس ليحلوا محل الولايات المتحدة الأمريكية كزعيم عالمي" على حد قول والتز.
فشل استخباراتي وهزيمة سياسية..
ورغم التنديد الأمريكي طوال الوقت بجهود التجسس الصينية، لم يتم تسليط الضوء على أعمال التجسس الأمريكية، فلدى أمريكا قواعد تنصت عسكرية في آسيا تفعل الشيء نفسه بالضبط، المخابرات الأمريكية تدير شبكة عالمية من 80 قاعدة تجسس في جميع أنحاء العالم، منها مراكز تنصت داخل مدن صينية مثل بكين وشنغهاي وتشنغدو وهونغ كونغ وتايبيه، ولكن رغم ذلك لم تتفوق على الاستخبارات الصينية.
يأتي هذا في الوقت الذي يطالب فيه العديد من المسؤولين الأمريكيين، ولا سيما من اليسار، بأن الوقت قد حان لإنهاء الحظر الأمريكي على كوبا، والتخلص من أثار الحرب الباردة، بعد استمرار الحظر التجاري لعقود، وتسبب في انهيارالاقتصاد الكوبي، وهو ما يعد خطأ سياسيا لم تداركه الإدارة الأمريكية واستغلته الصين لصالحها.
ما هى أهمية قاعدة التجسس الصينية في كوبا؟..
إن أهمية قاعدة التجسس الصينية تكمن في تمكين الصين من مراقبة مجموعة واسعة من الاتصالات في الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك جميع رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية، والبث عبر الأقمار الصناعية المتعلقة بالمراكز العسكرية الأمريكية.
قاعدة كوبا ستمهد لبكين الوصول لكل ما يخص القواعد العسكرية الأمريكية الأكثر حساسية في فلوريدا، وقيادة العمليات الخاصة، والقيادات المركزية المسؤولة عن الشرق الأوسط، والقيادات الجنوبية، والقيادات المسؤولة عن أمريكا الوسطى بأكملها، واختبارات الصواريخ بعيدة المدى الموجود في خليج المكسيك، لمعرفة من أكثرها حساسية، كل هذا يمكن اختراقه من خلال هذه القاعدة في كوبا.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال، تليها بوليتيكو وصحف أخرى، يوم الخميس قد أكدت أن الصين تجري محادثات مع هافانا لإنشاء قاعدة تجسس جديدة في الدولة الجزيرة، ورد حينها البيت الأبيض والبنتاجون بأن التقارير "غير دقيقة"، دون الخوض في التفاصيل.
وعلى الرغم من نفى المسؤولين الأمنيين في أمريكا في البداية، أصدر زعيم لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ بيانًا أكد فيه الأنباء المتداولة، ويرفض إنشاء الصين منشأة استخبارات في منطقة مأهولة بمنشآت عسكرية رئيسية وحركة بحرية واسعة النطاق.
ومن المتوقع أن يزور وزير الخارجية أنطوني بلينكين الصين في أقرب وقت الأسبوع المقبل، ومن شبه المؤكد أن يناقش هذا الأمر مع نظرائه.



