المسجد الحرام.. قبلة المسلمين وأول المساجد التي تشد إليها الرحال
إليه تهفو قلوب المسلمين من كل أرجاء الأرض ويقصده كل من يرجو رحمة ربه، إنه المسجد الحرام بمكة المكرمة الذي تمتلىء ساحاته حاليا بأكثر من 1.5 مليون حاج.. وقال الله تعالى فيه "إن أول بيت وضع للناس الذي ببكة مباركا وهدى للعالمين".
والمسجد الحرام هو أول المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، ففي الحديث الشريف قال الرسول الكريم "لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا "المسجد النبوي"، والمسجد الأقصى". ويعد المسجد الحرام أعظم وأقدس بقعة على وجه الأرض عند المسلمين وبه الكعبة المشرفة وهي قبلة المسلمين في صلاتهم، وأطلق عليه المسجد الحرام لحرمة القتال فيه منذ دخول الرسول الكريم محمد إلى مكة المكرمة منتصرا والصلاة فيه تعادل 100 ألف صلاة.
ويعود بناء الكعبة المشرفة إلى النبي إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام، بعد أن أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام بمكان البيت، إذ قال تعالى "وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ".
وروى القرآن الكريم بناء نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام للكعبة وتطهير المساحة المحيطة به، ولقد جاءه "أي إبراهيم عليه السلام" جبريل عليه السلام بالحجر الأسود، ولم يكن في بادئ الأمر أسود بل كان أَبْيَضَ يتلألأ من شدة البياض وذلك لقول الرسول الكريم "الحجر الأسود من الجنة وكان أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك".
وبقيت على حالها إلى أن تم إعادة بناء الكعبة على يد قريش في الجاهلية، بعد عام الفيل بحوالي ثلاثين عاما بعد أن حدث حريق كبير بالكعبة، نتج عن محاولة امرأة من قريش تبخير الكعبة فاشتعلت النار وضعف البناء، ثم جاء سيل حطم أجزاء الكعبة، فأعادت قريش بناء الكعبة، وقد حضره النبي، وكان يبلغ من العمر حينها 35 سنة وشارك بنفسه مع أعمامه في العمل.
وكان المسجد على عهد رسول الله بلا جدار أو أبواب وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في سنة 17هـ بدأت أعمال التوسعة الأولى للمسجد الحرام، بعدما أفسد سيل "أم نهشل" مباني المسجد الحرام، فقد انحدر السيل من جانب المسعى، وأحدث تلفاً عظيماً في المباني، ولضيق المسجد بالمصلين رغب عمر بن الخطاب بتوسعة المسجد، فاشترى الدور الملاصقة للمسجد الحرام وضمها له، وأقام جدارا حوله، وجعل له أبوابا، ووضع عليه مصابيح كي تضيء خلال الليل وعمل سدا لحجز ماء السيول عن الكعبة وتحويلها إلى وادي إبراهيم المجاور، وتعد أعمال عمر بن الخطاب، هي أول توسعة للمسجد الحرام في العصر الإسلامي.
وفي سنة 26 هجرية في عهد الخليفة عثمان بن عفان، بدأت أعمال التوسعة الثانية للمسجد الحرام، وكانت بعد التوسعة الأولى بحوالي 10 سنوات، بسبب ازدياد السكان بمكة، وازدياد ضيوف الرحمن لانتشار الإسلام السريع، ومع هذه التوسعة جدد المسجد تجديداً شاملاً وجعل في المسجد أعمدة من الرخام، وأدخل الأروقة المسقوفة، فكان أول من اتخذ الأروقة وبذلك نُسب إليه الرواق العثماني.
أما التوسعة الثالثة فكانت إبان حكم عبد الله بن الزبير، وقد أعاد بناء الكعبة بعدما أصابها من الحريق الذي شب في الكعبة أثناء حصار يزيد لمكة في نزاعه مع عبد الله بن الزبير.
واستمرت التوسعات بعد ذلك حتى تأسست المملكة العربية السعودية التي قام ملوكها على مر التاريخ بتوسعات رئيسية وضخمة للحرم المكي الذي تم زيادة مساحة ساحاته وزيادة أدوار الطواف والسعي وتطوير سقيا ماء زمزم.



