الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

العبور تحت القناة

بوابة روز اليوسف

- «أطلب منكم تكليفا بدءا من الغد إن شاء الله، هذا التكليف هو أن نحفر جميعا، ولو بأظافرنا الأنفاق تحت القناة لكى تتصل بسيناء». وقفت شرق القناة على حافة الهاوية السحيقة أرزقب الجبل وهو يتحرك!

عشرات من الحفارات الضخمة تروح وتغدو وهى تغرس أذرعها الطويلة فى التربة، وتنتزع آلاف الأطنان من الرمال والأتربة، فتحملها الشاحنات إلى بعيد.

المهندسون والفنيون يتنقلون بين الأجهزة والمعدات يلقون بتعليماتهم هنا وهناك.. الجميع يشتركون فى حركة سريعة متلاحمة وكأنهم يسابقون الزمن!

ولقد كانوا حقا فى سباق مع الزمن.

ففى هذا الموقع من القناة.. وعلى بعد نحو 17 كم من السويس، يجری العمل فى حفر نفق الشهيد أحمد حمدى أو نفق الشط، أول الأنفاق الثلاثة التي أمر الرئيس السادات بحفرها تحت القناة، لكى تصل غرب القناة بشرقها، وتضم أرض سيناڑ الحبيبة إلى صدر وادى النيل الخصيب!

والأنفاق الثلاثة تعد من أضخم وأهم المشروعات العمرانية والاقتصادية والاجتماعية الكفيلة بتغيير وجه الحياة على أرض مصر.

فاليوم يعيش أكثر من 38 رمليونا من المواطنين فى نحو 9٪ فقط من أرض مصر، وهذا يجعل الكثافة السكانية تصل إلى ما يزيد على 995 فردا لكل كيلومتر مربع.. وهى نسبة تعتمبر من أعلى الكثافات السكانية فى العالم.

والتوقعات الإحصائية تشير إلى أن تعداد السكان فى مصر قد يصل عام 2000 إلى ما يقرب من 60 أو 70 مليونا من البشر!

هذه الأرقام تجعل تعمير مساحات من الأرض واجبا قوميا يسهم فى إعادة توزيع السكان ووقف هذا التكدس البشرى المتزايد!

وتستطيع سيناء التي تربطها الأنفاق بوادى النيل، أن تستوعب جزءا كبيرا من السكان، بالإضافة إلى ما يمكن أن تسهم به من ثرواتها المعدنية والزراعية فى رفع مستوى المعيشة للمواطنين ككل.

وناحية أخرى..

ويكفى أن أورد كلمة للجنرال فوشى القائد الأعلى للجيوش المتحالفة فى الحرب العالمية عبر فيها عن أهمية حفر نفق ك؟ دوفر تحت المانش، وهو المشروع الذي وضع أول تصميم له المهندس الفرنسى «فافيه» ووافق عليه نابليون عام 1809 وتلكأ تنفيذه لأكثر من قرن ونصف لأسباب تكنولوجية وسياسية!

قال فوشى: «لو أن النفق كان قد تم بناؤه قبيل بداية الحرب لساعد ذلك على تجنبها، أو تقليلها إلى النصف، وكان فوشى يقصد أن بناء النفق كان خليقا بتخفيف الوضع على الجيوش المتحالفة، وحفظ أرواح الآلاف من البشر.

وسرح بى الخيال لحظات، عبر سنوات قلائل قدرها الخبراء للانتهاء من بناء الأنفاق.

رأيت بعين الخيال مئات السيارات تنطلق متتابعة عبر الأنفاق تحمل المصريين والسائحين إلى سيناء لقضاء إجازاتهم فى المدن السياحية هناك!

رأىت بعين الخيال الفنادق والموتيلات وحمامات السباحة والمطارات.. رأيت المصانع والمناجم تقام.. والثروات المعدنية والبترولية المخبوءة فى أرض سيناء تستخرج وتسهم فى تقدم البلاد وتطورها.. رأيت مدنا فتية، وحقولا نضرة تشدو وتمتد وتحول الأرض الجرداء من اللون الأصفر الشاحب إلى خضرة الحياة والنماء!

وأفقت من خيالى فجأة على صوت مهندس الموقع الشاب أحمد الجندى وهو يقول لى: لقد فرغنا من حفر نحو 30٪ من الجزء المكشوف من النفق، قلت: وما هو حجم الجزء المكشوف كله؟ و أذهلتنى الإجابة «مليون متر مكعب»! لقد أدركت مدى ضخامة هذا العمل عندما قارنته بحجم الأحجار التي استخدمت فى بناء هرم خوفو، والتي تقدر بمليونين و650 ألف متر مكعب!

قال لى مجدى نجيب المدير المالى للمشروع - الرجل الذي يقف وراء مختلف الأنشطة هناك ويعاونه شاب إداري هو كمال أبوالحصون - قال لى إننا بدأنا بنفق الشهيد حمدى لعدة أسباب، منها أنه سيخصص للمرور بكافة أنواعه فى الاتجاهين.. وقطره 10٫4 متر.. أما نفق الدفرسوار فسيخصص للقطارات.. ونفق القنطرة للسيارات والقطارات معا.

واختيار هذا الموقع بالذات لحفر أول الأنفاق الثلاثة له قصة يرويها المهندس خالد فوزى عاشور المشرف على تنفيذ نفق الاستكشاف أو الاختبار.

فالمفروض عند اختيار الموقع عمل جسات للتربة والقطاع المالى تحت القناة لمعرفة نوعها ومدى تحملها وكمية الرشح خاصة أن محركات البواخر الحديثة الضخمة قد تعادل قوة المحرك منها قوة كهربائية قادرة على تزويد مدينة متوسطة الحجم بالطاقة!

كذلك من خلال تحليل نوعية التربة يتم وضع مواصفات سلاح الحفار الكبير «شيلد» الذي يجرى صنعه فى ألمانيا والذي سيتولى حفر النفق الرئيسى.

ومن أجل ذلك، ولعدم تعطيل الملاحة بالقناة أثناء عملية الجس - تم حفر بئر ضخمة بعمق 42 مترا ومن قاع هذه البئر بدأ حفر نفق الاستكشاف الذي سيمتد تحت مياه القناة إلى الضفة الشرقية ويصبح فى النهاية جزءًا من النفق الرئيسى، وقد تم حتى الآن حفر 25 مترا وباقى 275 مترا ينتظر الانتهاء منها فى إبريل 1978.. وموعد وصول الحفار الكبير «شيلد» لكى يتم ما بدأه شقيقه الحفار الصغير!  

 

 

روزاليوسف العدد 2582

تم نسخ الرابط