50 عامًا.. محبة وافتخار وذكريات
تستدعي ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة، مشاعر فياضة على محبة هذه الأرض، تلك البقعة المَلِكة في عالم الأحياء، مَلكةٌ من نواحٍ عدة، مُلهِمة لكل من يحب التاريخ، ومن هو مهتم بعالم الشرق الخيالي في مناط الحكي والأساطير، ومن هو زائر لها فيكرر الزيارات دائمًا لشيء خفي ارتبط به في تلك البقعة المنيرة من العالم. خمسون عامًا مرت على ذلك الحدث الأهم في العصر الحديث لبلادنا، ربما تكون بلادنا مرت بأحداث مهمة في مجالات أخرى، ولها واقعيتها مع سريان التاريخ، لكن أهمية هذا الانتصار لتفرده وثباته خمسين عامًا؛ وأهمية الوقت الذي حدث فيه كان بتضافر إرادات الجميع حينها، يدفعهم الإيمان والمحبة والترابط، لتحقيق عمل مجيد، كدّوا واجتهدوا ونسجوا خيوطه بعرقهم طوال سنوات ست، كانت خلالها أعينهم متعلقة بهدف واحد، ونفوسهم تهفو إلى حلم واحد، لا يفارق مُخيلة الكبير والصغير، الجندي والعامل، وربة المنزل والعاملة، والتلاميذ في المدارس، والطلاب في الجامعات، هو الانتصار الذي يعيد الكرامة والشرف ويرد الأرض إلى أهلها. هذه الحالة تستدعيها الذكريات الأليمة التي أصبحت مجيدة ومر عليها خمسون عامًا، والتي تجعلنا نضع هذا الكفاح الذي قام به جيل في غالبه غير موجود، وأصبح بين يدي خالقه، وبقي منه القليل، الذي يحمل مشاهد العزة واليقين بصاحب المقدرة الذي كتب لنا النصر حينها أن يكتبه لنا مرة أخرى. بنظرة إلى الناس اليوم، يمكنك أن ترى من ينسى الحدث الذي نحتفي به أو لا يهتم به أو لا يجعل له حيزًا في ذاكرته إلا من باب الإجازة السنوية؛ لأنه لم يُعايش الحدث أو لأسباب أخرى تملأ عليه حياته، لكن أن يكون في بيتك من عايش وشارك، فهناك فارق كبير، فليس من رأى كمن سمع، ومن عايش كمن نُقل إليه، لأنك في هذه الحالة تمتاز بخصيصة لا تُوازَى في ثقة المصدر ناقل مشاهد الذكرى من قلب الحدث، وكأنه ينقل لك بعينه التي ترى هناك، وحين تتعدد المصادر حولك في بيوت ذويك، ما بين أبٍ وجارٍ وخالٍ وعمْ، تكثرُ المشاهدُ وتصير مجلدًا يحمل عنوانًا راقيًا، عن هذه الانتصارات، يقول: (الضنا غالي.. والدم غالي.. والوطن أغلى). خمسون عامًا عمرٌ طويل للأشخاص، قصيرٌ في عمر الأوطان، وفي هذه الذكرى تبوح القلوب للأرض الطيبة بلسان حال أبطالها الذين بَذلوا من أجلها كل غالٍ لاستردادها خالصة لأبنائهم وأحفادهم، بعشق ترابها وتغلغل محبتها في أعماقهم، ونتبعهم في ذلك، ونُقر بتكرار الانتصارات إذا فعلنا مثلهم في أيام الحرب المباركة، ونقف عقبة كئود في وجه كل من يريد بها شرًا. رحم الله والدي في ذكراه، وخالي وجيراني وأعمامي، وكل الأبطال الذين كانوا مصدر عزتنا بما بذلوه من أجل الوطن، وأرجو أن تظل المشاعر نحو الانتصارات قائمة ما بقي من مصادر المعركة أبطال على قيد الحياة، وما بقيت الانتصارات في ذاكرة الناس والوطن، ولا تضمحل بفناء آخر أبطالها، بل يولد من رحمها أبطال جدد يحيون فينا أمل الانتصارات.



