خمسون عامًا لانتصار أكتوبر العظيم:
ألم يحن الوقت لنعود لروح أكتوبر؟
عبرنا الهزيمة بروح أكتوبر.. روح أكتوبر تعني التخطيط والعمل العلمي الدقيق بكل إخلاص وتفان.
روح أكتوبر تعني الكرامة والعزة.. روح أكتوبر أن نحب وطننا ونعشق ترابه بجد وليس بمجرد أن نكتفي بالأغاني والشعارات. روح أكتوبر جعلتنا نتحمل ونصبر، رغم كل الألم والمرارة التي كنا نشعر بها منذ هزيمة يونيو ١٩٦٧ وحتى انتصارنا في أكتوبر ١٩٧٣.
تحملنا كل شيء إلى جانب الوضع الاقتصادي الصعب، حيث كانت كل مواردنا مخصصة لصالح احتياجات الجيش وإعادة بنائه وتجهيزه للحرب في ظل تناقص هذه الموارد نتيجة إغلاق قناة السويس، بما كانت توفره من دخل مع توقف السياحة والتصدير، وانقطاع ضخ البترول بعد احتلال شبه جزيرة سيناء.
وفي سنوات التحدي تلك هناك الإصرار والصمود ومن أجل ذلك حرص كل بيت مصري، وبيتي كنموذج، حيث كنت طفلة، علي ترشيد استهلاكه من كل شيء مثل المياه والطاقة والطعام والملبس وغيرها، رغم أن معظم السلع الرئيسية كان يتم توفيرها لكل أسرة من خلال بطاقات التموين.
في الوقت الذي قامت الكثير من الهيئات والشخصيات العامة والفنانين بجمع التبرعات لصالح المجهود الحربي، بل إن النساء على اختلاف مستوياتهن الاقتصادية تبرعن بمشغولاتهن الذهبية، ومن المشاهد الرائعة في تلك الفترة قيام السيدة أم كلثوم -رحمها الله- بإحياء العديد من الحفلات خارج مصر في بعض الدول العربية وفرنسا متبرعة بكل عائد هذه الحفلات للمجهود الحربي ولعب الإعلام والفن دورا مهما من يونيو ١٩٦٧ وخلال حرب أكتوبر ١٩٧٣ والسنوات التي تلتها، معبرين بصدق وانتماء عن ارادة المصريين وإصرارهم على النجاح ومواجهة التحديات بكل جسارة، وقاموا بدور مهم في المشاركة في خطة الخداع الاستراتيجي في ضوء رؤية الدولة قبل حرب اكتوبر،وساهما ايضا في شحذ الهمم وحشد كل الطاقات للتأكيد علي قدرتنا علي تحقيق الانتصار واسترداد كل تراب الوطن الذي كان محتلا مهما كان الثمن غاليا والإسهام في رفع الروح المعنوية لابناء الوطن والتصدي لكل صور وأشكال الحرب النفسية والإعلامية.
وشارك المصريون والمصريات في التطوع للمشاركة في الدفاع المدني، وحملات التبرع بالدم وزيارة جرحي الحرب أثنائها وبعدها. ولعل أن أهم ما تميزت به هذه السنوات الصعب هو أن المصريين رفضوا الهزيمة وأعلنوا ذلك من خلال مظاهرتهم الحاشدة في ٩ و ١٠ يونيو ١٩٦٧ رافضين تنحي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لأن ذلك في رأيهم كان يعني الاستسلام والقبول بالهزيمة في حرب لم يتح لجنودنا أن يخوضوها فعلا.
وكان من أهم ما تمسك به المصريون ثقتهم في وطنهم وجيشهم وقيادتهم وايمانهم العميق بالله وبأنفسهم، ولذلك لم يتأثروا على الإطلاق بحملات التشكيك التي استهدفت بث روح اليأس والإحباط لديهم من خلال حرب الشائعات والأكاذيب، لذلك احتفظنا بجبهتنا الداخلية قوية وصلبة، تجاوز الشعب المصري في البداية أحزانه وصدمته وإحساسه بأن الأرض تهتز من تحت قدميه وأن العالم علي اتساعه يكاد يضيق به وبسرعة لم يكن يتوقعها الأعداء والأصدقاء.
بهذه الروح العزيمة انتصرنا ولكننا للاسف نفتقد هذه الروح في أحيان كثيرة ويفكر كل منا في نفسه ومشروعه الخاص بعيدا عن مشروع الوطن الذي يتوه منا أحيانا وسط اولويات مختلة لدي بعضننا، واهتمامات شخصية يعطيها البعض أكثر من الواجب، فضلا عن اختلال حقيقي - نلمسه جميعا- في سلم قيمنا وتخلي بعض مؤسساتنا خاصة الاسرة والمدرسة عن بعض ادوارها المهمة في التربية والتنشئة وسط مشاكل الحياة؟ومتطلباتها المادية المتزايدة والخانقة ،رغم ان مسؤولياتهم غدت أخطر في ظل تحديات تواجهنا خاصة في ظل ما تطرحه ثورة تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وبالذات فيما تخلقه وسائل التواصل، رغم بعض ايجابياتها الا انها تحمل مخاطر وتحديات كثيرة على مستقبل أبنائنا وأوطاننا. في ذكرى هذا اليوم العظيم تحية لأرواح شهدائنا ولكل جنودنا الأبطال وشعبنا الذي عاش سنوات خالدة، ومازال الحلم الذي نأمل أن نستعيده، متمثلا في روح أكتوبر.



