يسود شعور بأن الرافضين لفكرة أن تحكم المرأة للعالم، أكثر بكثير ممن يقبلونها، وقد تكون بعض المجتمعات أقل تشدداً من أخرى في مسألة تقبل رئاسة المرأة في الحكم، رغم أنها تقارع السياسة في الكثير من الدول. على مر العصور وتعاقب الأمم والحضارات كانت المرأة ممسوخة الهوية فاقدة الأهلية منزوعة الحرية، تقاسي في عامة أحوالها ألوانا من من الظلم والشقاء والذل، اختلفت معاملة الشعوب للمرأة.
اختلفت مكانة المرأة عبر الحضارات والديانات المختلفة، فمنهم من أعطاها بعض حقوقها، ومنهم من حرمها حق الحياة الكريمة.
عاشت المرأة فى الحضارات البدائية عصراً ذهبيا فهي عصب العائلة، وحظيت بالتقديس لأنها السبب في استمرار البشرية، ومع الأسف أَخًْمَدَ التطور وزيادة الإنتاج والثروة العصر الذهبي ففرض الرجل سيطرته في المجتمع، وفقدت المرأة سلطتها، ففي بلاد الرافدين كان الرجل هو المسيطر فى كل الأحوال، كان من حقه بيع زوجته لسداد ما عليه من الديون، وإذا أهملت زوجها تلقي فى النهر. وفي العصور الرومانية لا تستطيع أن تنال الحياة في الآخرة، فهي رجس من عمل الشيطان، ويضعون قفلا على فمها لمنعها من الكلام لأن كلامها أداة للأغراء، وعند الفرس يعتقدون أنها سبب الشر، وعند الإغريق محتقرة ومهانة، مسلوبة الحقوق محرومة من الميراث وحق التصرف في المال، فيقول أرسطو "ثلاث ليس لهم القدرة على التصرف في أنفسهم العبد فليس له إرادة، والطفل له إرادة ناقصة، والمرأة لها إرادة لكنها عاجزة"، وفي الصين المرأة تحت الوصاية من أبيها أو زوجها، وعند العرب قبل الإسلام كانت مهانة ومحتقرة.
أما فى الحضارة المصرية الفرعونية فقد حصدت المرأة على حقوق لم تحصل عليها مثيلاتها فى الحضارات الأخري، فقد وصلت إلى الحكم، بعد أن كرمتها المعتقدات الدينية المصرية ورفعت من شأن الأنثى، لهذا ليس من المفاجئ كون النساء جزءا من الكهنة وحياة المعبد.
كانت مكانة المرأة في مصر سابقة لأي عصر في تاريخ العالم وحتى لمكانتها في وقتنا الحالي، وظل قدماء المصريين يأسرون العقول في جميع أنحاء العالم بما قدموه من إنجازات مذهلة ومساهمات غير عادية في الحضارة البشرية، حتى في الأخلاق والمثل والمبادئ العليا، وبخاصة تلك التي تتعلق بالمرأة؛ فقد كانت المرأة الفرعونية تحظى بمكانة كبيرة ومهمة.
وعلى طول التاريخ الفرعوني وعرضه ارتقت المرأة سياسياً؛ لتكون حاكمة وملكة صاحبة نفوذ، وهو ما لم يتحقق للعديد من الحضارات التي كانت تعامل المرأة على أنها كائن مُهمًل، مهمش لا حقوق له. فكانت أول ملكة امرأة تحكم في تاريخ العالم، فرعونية واسمها ميريت نيت. تُعد ميريت أول سيدة حكمت في مصر وفى تاريخ البشرية، حيث تؤكد الأدلة صعود ميريت إلى عرش مصر وحصولها على حكم ذاتي مستقل، فهي الملكة الوحيدة في الأسرة الأولى التي لديها مقبرتان في سقارة وأبيدوس. ولا يزال قبرها في سقارة يحمل نقوشاً رائعة وتفاصيل فنية مدهشة، وكان محاطاً بمقابر أصغر لفناني عصرها وخادماتها وعمالها لخدمتها بعد الموت، وكان اسمها الملكي مكتوباً على لوحة عُثر عليها في قبر ابنها الملك «دن»، ويضم شاهد القبر اسم ميريت بوصفها أحد حكام الأسرة الأوائل.
ميريت نيت امرأة فريدة اعتلت عرش مصر بعد وفاة زوجها. إنها أَول ملكة في تاريخ العالم. هي من السلالة الفرعونية الأُولى. حكمت مصر فترة غير قصيرة، وعلى نصبها رموز تدل على الأُلوهة في تلك الحقبة المصرية القديمة. يذهب بعض الخبراء إِلى أنها حفيدة الفرعون الأَول “نارمر” الذي وحّد مصر في زمنه.
تقاسمت الحكم مع ابنها الملك دن الذي ورثه عن والده وهو طفل صغير وكان لا يزال تحت الوصاية. وبذلك أصبحت أول امرأة تحكم في تاريخ مصر والإنسانية، حيث حكمت مصر نحو 10 سنوات. 2939 – 2929 ق.م.
معني اسم Merit Neet هو : نيت المحبوب. وهي ابنة الملك جر، وزوجة الملك واجيت، وأم الملك دن. كانت طموحة للسلطة ولم تمكن أحدا من شؤون الحكم. تولت الوصاية على العرش رغم تبلور الوصول والتقاليد الدينية المقيدة للحكم في ذلك الوقت، وأن الحاكم هو حورس. وهذا اللقب “الحوري”، هو أول لقب ملكي اعتمده ملوك مصر منذ عهد مؤسس الأسرة الملك نارمر.. وبمجرد تمكين ميريت-نيت لابنها دن من الحكم، انسحبت من المشهد السياسي كملكة مشاركة في الحكم وحتى صاحبة القرار فيه، إلى دور الملكة الأم التي تدعم حكم ابنها و ويقف خلفه بالنصح والمشورة وتبادل الرأي إذا لزم الأمر، وابنها “دان” من أسعد الملوك الذين تمتعوا بدعم أم مقتدرة وذكية قامت بتربيته وتربيته تربية تليق بمن سيحكم مصر. ونشأ وأصبح من أهم ملوك العصر القديم... “نيت” تم ذكره في القائمة الملكية، وهو ما يوضح مكانة “ميريت نيت”. باعتبارها ملكة حاكمة وليست مجرد زوجة ملك أو أم ملك، كان لديها مقبرتان ملكيتان بنفس هندسة المقابر الملكية، في كل من أبيدوس وسقارة.
ورغم أنه لم تكن هناك إنجازات للملكة ميريت- نيت سوى إعداد ابنها الملك دن للحكم، إلا أنه أعظم إنجاز للحضارة المصرية من خلال إعداد أحد أعظم ملوك الحضارة المصرية الذي اهتم بتوسيع الحدود المصرية والحفاظ عليها.
وتمتعت مصر في عهده بالازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي والاجتماعي. كما أنه وضع أسس الحكم الملكي المقدس الذي اتبعه ملوك مصر حتى نهاية العصر الفرعوني. إن ذكرى الملكة ميريت نيت ستظل خالدة في أذهان المصريين نظرا للدور الكبير الذي لعبته في الحفاظ على حكم مصر وعرش ابنها، الملك الطفل، في ذلك التاريخ المبكر من حياة مصر الخالدة والدنيوية، يخلق سنة خير سيتبعها العالم كله بعد ذلك وتصبح إحدى أدبيات وآليات نقل الحكم في عالم الحكم والسياسة. هذه جدتك الخالدة، الملكة العظيمة ميريت-نيت. ولذلك كان من حقها أن تُخلد بدفنها، وأن تكون الملكة الوحيدة في مقابر أبيدوس الملكية من بين ملوك مصر الخالدين.
على الرغم من أن الحكم في ذلك الوقت كان ذكورياً، فالرجال فقط هم الآلهة والحكَّام، والنساء يأخذن مكانة التابع المجاور؛ فإن نفوذ ميريت كان كبيراً فلم تُمَكِن أحداً من شؤون الحكم، وأصرت أن تقوم هي بالوصاية على العرش، رغماً عن التقاليد الدينية وعدم موافقة الكهنة، فقامت هي بالوصاية على ابنها «دن» وعلى العرش، وحصلت على لقب «الحوري» هو لقب ملكي كان يُتخذ في الفترة التي حكم فيها الملك نارمر «مينا»، ويُعتبر من أوائل الألقاب الملكية. عندما استقر الأمر في الحكم للملكة ميريت نيث، وتأكدت من استتباب الأمر لابنها واستقراره؛ انسحبت من المشهد السياسي بهدوء، وتركت لابنها مقاليد الحكم والسلطة، وعادت لمكانها ومكانتها بوصفها أُماً تقف جوار ابنها يتخذ منها الحكمة والمشورة، على أنها ظلت صاحبة رأي في كثير من الأمور، وكان ابنها يلجأ إليها؛ ليعرف رأيها ويستعين به. لم تحظَ أم ملك فرعونية بمكانة ميريت نيث بوصفها ملكة حاكمة وليست مجرد زوجة ملك أو أم ملك؛ فقد كانت لها مكانة كبيرة لدى ابنها ولدى الشعب في ذلك الوقت، فهي «المحبوبة»، وقد تمتعت مصر في عهدها برخاء اقتصادي واستقرار سياسي وأمني، ولم يجرؤ أحد على مهاجمة الدولة أو حتى التفكير فى الاقتراب منها؛ فقد كانت لمصر في ذلك الوقت مكانة وسيادة وسلطة كبيرة، وقد اهتم الملك «دن»، بمشاركة والدته الرأي والنصيحة؛ فقد كان مدركاً مدى حكمتها وذكائها، وتحول الملك «دن» لأحد أهم ملوك العصر العتيق بفضل والدته؛ ما يُظْهِر مقدرة المرأة الفريدة في تَبَوُّءِ أعلى مكانة حتى في العصور القديمة.
زخمت السجلات بملكات عظيمات حتى عصر الأسر المصرية المبكر مثل الملكة مريت نيت، والملكة سبك نفرو (منذ ما يقرب 1807-1802 قبل الميلاد) تولت العرش في عصر الدولة الوسطى بمصر وحكمت كامرأة دون النظر إلى تقييدات التقاليد بأن ذكرا من يجب أن يتولى حكم مصر. واحتذت حتشبسوت من الأسرة الثامنة عشرة بفعل سبك نفرو ونصبت نفسها فرعونا. وما زالت تعتبر واحدة من أقوى سيدات العالم القديم ومن أعظم فراعنة مصر. كان لهذه النساء أثرا ملحوظا على أزواجهن، وتوالت النساء حكم مصر، ومنهن: تعد الملكة "نفرو سوبك"، صاحبة الألقاب الملكية الخمسة والملقبة بـ"سيدة كل النساء"، واحدة من الملكات اللاتي حكمن مصر القديمة وأدهشت شعوب العالم في العصر الحديث، وخاصة بلدان أوروبا التي أتيح لعلمائها وأثرييها معرفة الكثير عن تاريخ مصر القديمة وأسرارها، عبر ما قاموا به من أعمال حفر وتنقيب عن آثار ملوك وملكات ونبلاء الفراعنة.
ومن غير المعروف حتى الآن موقع مقبرة الملكة "نفرو سوبك"، التي تعتبر واحدة من أكثر ملكات مصر القديمة إثارة للدهشة، بسبب إنجازاتها العديدة. حاتْشِبْسُوتْ معنى اسمها “السيدة النبيلة”. يقال إِنها ولدت من لقاء “حميم” بين الإِله أَمون والملكة إحمس. ويقال إِنها ابنة تحوتمس الأَول ومن أَقوى الملكات اللائي حكمْن مصر، والأَقوى نُفوذًا، لأن ولايتها (الخامسة في تسلسل السلالة)، كانت علامة بارزة لا في السلالة الفرعونية الثامنة عشرة وحسْب بل في كل تاريخ مصر القديم. تولَّت العرش بعد وفاة زوجها تحوتمس الثاني لتكون وصية على الملك القاصر تحوتمس الثالث (وهو ابن تحوتمس الثاني من امرأَة أُخرى وأَول وريث ذَكَر في السُلالة). حكمت بين 1507 و1458( ق.م.). وهي ثاني ملكة حكمَت بعد الملكة سوبيك نيفيرو نفرتيتي. من السلالة الفرعونية الثامنة عشرة. معنى اسمها “جاءَت الجميلة”. هي زوجة الملك أَمَنْحوتب الرابع الذي أَصبح لاحقًا إخناتون (فرعون السلالة الثامنة عشرة) وستكون لاحقًا حماة توت عنخ آمون. يروى أَنها من أَقوى النساء في مصر القديمة. حكمَت بين 1370 و1330 (ق.م.) وكانت لها منزلة رفيعة أَثناء حكم زوجها ولم تعش طويلًا بعد وفاته.
شُوِّهَت صُورُها بعد وفاتها. وهي اليوم شهيرةٌ بتمثال نصفي لوجهها المنحوت على حجر جيري في واحدة من أَروع القطع الفنية من العصر القديم، موجود حاليًا في متحف برلين الجديد. وهو بين أَندر القطع الفنية الخالدة من مصر القديمة، يُعزى إِلى النحات تحوتموس نحو 1350 ق.م. (النحات الرسمي لدى إخناتون) وهو وُجد على باب محترفه. من مآثرها وزوجها إخناتون إِحداث تغيير جذري في الطقوس الدينية الوطنية المتعددة الآلهة، والاتجاه صوب إِله الشمس الواحد “آتِن”. يقال إن عهدها بعد عهد زوجها كان الأَغنى في تاريخ مصر القديم. وعلى عهدها انهارت مملكة العمارنة وانتقلَت العاصمة من العمارنة إِلى طيبة (مدينة على طول نهر النيل، نحو 800 كيلومتر جنوبي المتوسط، أَطلالها اليوم ضمن مدينة الأقصر). تاوُسْرِت : معنى اسمها في الحكم: “سيتر مريامون” أَي “ابنة رع، حبيبة أَمون”. هي آخر السلالة التاسعة عشرة، وآخر ملكة مصرية المولد تحكم بلادها. تولَّت العرش سبع سنوات مشاركة مع سَلَفِها سِبْتَة، إِنما استقلَّت به سنة واحدة (1191-1190 ق.م.).
ومن حفريات قامت بها بعثة من جامعة أَريزونا في مصر انكشف معبدها (“معبد ملايين السنين”) في مدينة القُرنة (على الضفة الغربية لنهر النيل مقابل مدينة الأُقصر الجديدة قرب تلال طيبة)، وهو تَـمَّ بناؤْه على حياتها. كليوباترا. عُرفَت بــ”كليوباترا فيلوباتر” (69 – 10 ق.م.). هي آخر السلالة المقدونية. حكمَت مصر بعد وفاة الإِسكندر بين 51 و30 (ق.م.). كانت جميلة جدًّا وذات شخصية قوية وذكية، أَسَرَت بحبها الرجال الذين أَحبُّوها. مع أَن لغتها الأُمّ إِغريقية، تفرَّدَت بتَعَلُّمها اللغة المصرية حتى إِتقانها. نزاعُها مع أَخيها بطليموس الثالث عشر سبَّب طردها من مصر التي كانت فترتئذٍ مملكةً تحت الحماية الرومانية، وكانت أَهراءَ قمحِ الشعب الروماني. عملت كليوباترا على العودة إِلى مصر، بمساعدة يوليوس قيصر، فأَسرتْه بجمالها وأَقنعتْه أَنها ستكون في الحكم أَفضل من أخيها. ساعدَها القيصر فتغلَّبت على أخيها بطليموس وتولَّت العرش. بعد مصرع يوليوس قيصر واقتسام أُوكتافيوس وماركوس أنطونيوس العالم الروماني، كانت مملكة كليوباترا من نصيب ماركوس أَنطونيوس الذي أُغرم بها كثيرًا ما سبَّب فقدانَه حظْوته في روما، وانتهى به الأَمر إِلى الانتحار إِثر انتصار أوكتافيوس عليه بعد معركة أَكتيوم سنة 31 ق.م. وحين تناهى إِلى كليوباترا انتحارُ حبيبها انتحرت بعده مباشرةً. بعد وفاتها أَصبحت مصر مقاطعة تابعة للأَمبراطورية الرومانية معلنةً نهاية العصر الذي ابتدأَ مع الإِسكندر الكبير (336-323 ق.م.).
وتعد كليوباترا السابعة، آخر ملكات مصر (تقريبا 69-30 قبل الميلاد)، من بين أفضل ممثلي المساواة التي حظيت بها النساء فقد حكمت الدولة بشكل أفضل من الذكور السابقين لها أو أولئك المُعتقد أنهم شاركوها الحكم. وبدأت مكانة المرأة بالتدهور عندما استولت روما على مصر بعد موت كيلوبترا.
الذي لا شك فيه، أن النساء منذ حكمت ملكات مصر شعب رائع، يتحملون كل شيء، يدركون أن الحزن والمحن لا مفر منها، ومستعدون أن يغوصوا فيها ليعبروا إلى الشاطئ الآخر. وهو ما يرجح نجاحها في الحكم.



