الدكتورة منال شنودة تكتب: ضمير الأمة
تعدّ القيم من أهم الركائز التي تُبنى عليها المجتمعات، وتقام عليها الأمم، وتتعلق القيم بالأخلاق والمبادئ، وهي معايير عامة ضابطة للسلوك البشري الصحيح.
القيم الاجتماعيّة هي الخصائص أو الصفات المحببة والمرغوب فيها لدى أفراد المجتمع، والتي تحددها ثقافته مثل التسامح والقوة، وللقيم الاجتماعيّة أمثلة وأنواع، ولها أسباب تؤدي إلى غيابها عن واقع الحياة، كما أنّ هناك سبيل تعزيزها وبنائها.
دعونا تتفق أن هناك قيما كثيرة، والذي يحدد وجود هذه القيم هو الإطار التربوي العام في المجتمع، ومدى الوعي الذي وصل إليه النّاس في تعاملهم مع بعضهم، نذكر منها: الصدق، حيث يظهر الصدق كقيمة في التعامل اليومي في المجتمع، ابتداء من الأسرة، وانتهاء بالمجتمع. الإيثار، وهو قيمة متقدمة في السلوك، ويعبِّر عن تخلي الإنسان عما يحبه لصالح غيره. الكرم والسخاء. الحياء، وهو من الضوابط المهمة للسلوك البشري في المجتمع. البذل والتضحيّة، وذلك بجعل اهتمامات الفرد الخاصة لصالح المجتمع ككلّ. التعاون والتعاضد، ويعدّ التعاون من أهم مقوِّمات وركائز التواصل البشري، ولا غنى عنه لفرد من الأفراد أو مجتمع من المجتمعات. التكافل الاجتماعي، وفيه يكمل أبناء المجتمع بعضهم في شتى جوانب الحياة، ممّا يقلل ويقلص من منابع الفقر والعوز في المجتمع.
لقد كان المجتمع المصري حتى وقت قريب مزينا بالقيم النبيله «القناعة، الرضا، النخوة، الشرف، العمل الجاد، احترام الكلمة، الحفاظ على القانون، حب الجمال، الإيمان بالمساواة والعدالة الاجتماعية»، وغيرها من الفضائل التي كانت تزيد أبناء المجتمع تماسكا وتراحما وثقة فى الذات والآخر وتغذى فيهم الإحساس بالطمأنينة والأمن والأمان. نحن بصدد اتجاه ينتقل بنا من التقييد إلى الانفتاح، ومن التدخل فى شؤون الاقتصاد إلى الانفراج والحرية، ومن الاشتراكية المتحيزة للفقراء إلى الرأسمالية المتوحشة، مما أدى لحدوث صراع مروع بين التمسك بالقيم والتمسك بالمال، بين الحفاظ على اللغة والتراث والتاريخ أو الذوبان فى كل ما هو أجنبى باعتباره المصدر الأعلى للدخل، ولأن المادة باتت هى الغاية ولظهور أثرياء سكنوا الفلل والقصور وركبوا أفخم السيارات ولبسوا أجود أنواع الملابس وأكلوا وشربوا وعاشوا كالملوك - رغم أنهم كانوا صعاليك حتى وقت قريب - فقد حسم الأمر وفتحت شهية الكثيرين لبلوغ الثروة بأى طريقة ومن أى مصدر مشروع أو غير مشروع، فالذي يمتلك الآلاف يريد الملايين، والذي يمتلك الملايين يريد المليارات، حتى لو باع الخدمات المجانية وتقاضى الرشوة وبنى أبراج الموت وتاجر فى المخدرات وتهرب من الضرائب وحصل على قروض دون ضمانات واستورد الأغذية الفاسدة ومارس الاحتكار. غياب العدالة بكل أنواعها، فإذا كان الانفتاح قد أدى لقلب الهرم الاجتماعي فإنه أدى كذلك لتغير الأولويات، فالهجرة بحثا عن المال باتت أهم بكثير من الصبر على بناء الوطن، والحرص على بلوغ مرتبة لاعب الكرة أو الممثل أولى من الحصول على أرفع الدرجات العلمية، وعندما تتناقض الأولويات تضيع كل معاني العدالة، وهو ما لوحظ مع بداية ثمانينات القرن الماضي حيث اختفت العدالة الوظيفية بسبب المحسوبية، والعدالة السياسية نتيجة تزوير الانتخابات والعدالة الاقتصادية بسبب الرشوة والفساد، والعدالة الاجتماعية بسبب تلاشي الطبقة الوسطى، ومن ثم باتت قيم النفاق والوصولية والنفعية والتواكل والصعود على أكتاف الآخرين صفات مرغوبة ومقبولة بل مرحبا بها رسميا وشعبيا.
المصيبة الأكبر أن المدرسة الأولى والحاضن الأول للفرد عرفت تحطيم وتفكيك لها ألا وهي العائلة، فقد أصبحت في وقتنا الحالي فاقدة لكل أهلية ورمزية. صورة سيئة الإخراج للأسرة داخل المجتمع، تفكك مادي ومعنوي ساهمت فيه بصفة كبيرة التكنولوجيات الحديثة. كما شهدنا تحطم لصورة الأب التاريخية، فلم يعد الأب الشخص القوي والملهم لصغاره، بل قل احترامهم له وأصبح الأبناء خارج السيطرة الأبوية ليكون الشارع هو الحاضن والمربي وتكون دروس الرذيلة، الغش والانتهازية أولى الدروس التي يتلقاها الفرد لنحصل على نتيجة وخيمة وكارثية ويتحول قانون الغابة هو السائد، البقاء للأقوى وأي قوة، قوة تحطيم الأفضل، قوة تمجيد السارق والفاسد على حساب المتفوق والمثقف الذي أصبح بلا قيمة ولم يعد يحمل صفة النبوة. إنما الأمم أخلاق، إن ذهبت ذهبوا، يوم بعد يوم يزداد الوضع قتامة وبشاعة، وأصبحنا نعرف انقلاب قيمي وأخلاقي أسهم تدهور التعليم مساهمة فعالة للحالة الاجتماعية، بالإضافة لابتعاد الفرد عن المصادر التي تدعوه إلى الاستقامة وتحدد له سبل الرقي الفكري والأخلاقي. لكن للأسف كان للعولمة دور بارز في تحطيم الدين والفكر الفلسفي لصالح مناهج جديدة أصبحت تخاطب غريزة الفرد.
مشاكل الاسرة المصرية، وأكد دور المؤسسات الدينية الاسلاميه والمسيحية فى زيادة الوعي لدى افراد المجتمع ونشر قيم التسامح والمحبة ونبذ الكره والعنف وضرورة قيام مؤسسات ومراكز الأبحاث الاجتماعية والجنائية بدارسة أسباب زيادة معدلات العنف الأسري فى المجتمع والوقوف على أسبابه بدقة وطرح حلول لمواجهة آثاره السلبية قبل تفاقمها وتحولها لظاهرة والتنسيق التام بين جهات البحث العلمى والوزارات والجهات المسؤولة. وأخيرا يجب ألا نغفل الدور المحورى والمهم للتعليم والمدرسة التي ترسخت فى الدور التربوي وإ عادة النظر فى المناهج التربوية والسياسات التعليمية التي تدرس لأبنائنا. ومنظومة القيم الأسرية فى خطر وإذا لم ينتبه المجتمع لما تتعرض له من هدم وانهيار ستتفاقم الظاهرة وسيكون المجتمع هو الضحية. التراجع الحاد فى الكثير من القيم مثل قيمة العلم وقيمة العمل وقيمة التدين وقيمة الجمال وقيمة الأمانة. ظهور الشركات الانفتاحية والبنوك الخاصة ومكاتب التصدير والاستيراد والمكاتب الاستشارية الأجنبية بحيث أصبح العمل فى خدمة كل ما هو أجنبى هدفا متميزا يسعى لبلوغه الصغير والكبير، حتى يضمن لنفسه مكانا مرموقا.



