الروائية منى العساسي: رواياتى تدور داخل الإنسان.. واحتكاكه بالمجتمع
استطاعت الكاتبة والروائية منى العساسي، أن تجعل لنفسها لونا إبداعيا متميزا، حيث جمعت بين دراسة علم النفس والكتابة بفلسفة أدبية تتجسد من خلال أعمالها الروائية والتي تؤكد من خلالها أن ما يحدث في النفس الانسانية هو المجتمع كله، وأن حياة الانسان وما يدور داخله من صراع يتشكل نتيجة لاحتكاكه بالمحيطين به، حيث تخرجت في قسم علم النفس في كلية الآداب بجامعة الزقازيق، وصدر لها ثلاث روايات وهى “نقش على خاصرة الياسمين” التي تدور أحداثها في السعودية، ورواية “جبل التيه” في نفس الفترة، غير أن “نقش على خاصرة الياسمين” سبقت “جبل التيه”.
ومن خلال مشاركتها فى فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب فى دورته ال 55 لعام 2024 وإدارة ندوات نقاشية بالبرنامج الثقافي المصاحب للمعرض كان لنا حوار خاص فى ما يلي:
- فى البداية نود التعرف على متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور لصدور اعمال أدبية لك؟
– قد لا نعلم متى أو كيف تبدأ الأشياء، نحن نكتشف أنفسنا عبر التجربة من خلال التعلم والخطأ، فأنا لا أعلم تاريخا محددا يمكنني فيه أن أحدد بدقة متى بدأ الأمر ولا كيف، لطالما كنت قارئة جيدة للأدب والعلوم الإنسانية يستهويني بشكل خاص الروايات وعلم النفس والفن التشكيلي، لكن الحقيقة أني لم أخطط يوما لأن أكون كاتبة لذا أظن أن الكتابة هي من وجدت طريقها إلي، كنت أكتب خواطري في دفاتر المدرسة واحتفظ بها في قصاصات متفرقة كنوع من تفريغ الشحنات الانفعالية والوجدانية، حتى انتشرت المنتديات والمدونات على جوجل فبدأت بنشر خواطري عليها من ثم “الفيس بوك” إلى أن صدرت لى ثلاث روايات.
- عدم التصريح بالشخصيات وتجهيلها والحديث عن الذات في ليالي الهدنة، ما طبيعة كتابة هذه الرواية؟
ربما كان الشعور بالفقد، بالوحدة، بالدهشة هو المحرك لكل شيء داخل النص، لحظة تأمل لذات خسرت كل شيء، وجدت نفسها فجأة في مواجهة العالم وحيدة، في مجتمع انفجر في لحظة غضب، ليكشف عن كم هائل من الخراب الذي ربما لم أكن التفت له سابقا، آباء يتخلون وأبناء بلا يقين، معايير اجتماعية أخلاقية إنسانية انهارت جميعها دفعة واحدة بفعل الغضب، لحظة تأمل لنساء حولي بدوا جميعهن طيور بأجنحة متكسرة، عاجزين عن الصراخ في وجه مجتمع ذكوري تفنن في تشكيلهم ببنى نفسية هشة، وشخصيات اعتمادية ترضى بأي شيء لأنها لا تستطيع أن تواجه العالم منفردة، ربما أردت أن أقول لكل اللاتي هن بطلة ليالي الهدنة، بالرغم من أن العالم ليس ورديا عليك أن تتحلي بشجاعة الخروج إليه، فالظلال لا تمنح أمانا.
- تجهيل الابطال وغياب أسمائهم هل هو تكنيك خاص بك؟
- تركت الاسماء للقارئ يضعها من محيطه كما يشاء، ففي كل مكان داخل مجتمعنا بكل طبقاته، ستجدين بطلة ليالي الهدنة وستجدين الرجل الخمسيني، ستجدين العاملة التي تكدح طوال اليوم دون كلل ولا تستطيع الاستغناء عن ظل الرجل وداخلها يقين كامل أن هذا الظل يقيها شر المجتمع، وستجدين سيدة المجتمع التي ايضا ترضى برجل يسيء لكرامتها ويهين أنوثتها لانها غير قادرة على التخلي عن وضعها الاجتماعي أو لا تملك ما يمكنها من الاستقلال بشكل لائق.
- ليالي الهدنة والتعبير عن مشاعر الوحدة والفقد في عالم ربما لا يفهمه البطل.. ما خصوصية تلك التجربة، وهل تخشين تصنيفها بأنها كتابة ذات؟
ربما قديما كنت اغضب كثيرا من التصنيفات وكان لدي اعتقاد أن من يطلق هذا التصنيف يفعل ذلك متعمدا ليقلل من شأن الكاتب وموهبته والجهد المبزول في نصه، لكن بصراحة الان لم أعد اهتم فمجرد أن يتحول النص الي لغة مكتوبة يصبح عالم روائي قائم بذاته، منفصل كليا عن كاتبه، ايا كان الموضوع الذي يتناوله.
- هل يضايقك ككاتبة تصنيف كاتبة نسوية؟
حدث أن كنت في سهرة مع روائية صديقة، كانت غاضبة من هذا التصنيف، الحقيقة وجدت نفسي ابتسم لها وأقول ببساطة أنا لم أعد أغضب من هذا التصنيف يا مريم، اذا كان المجتمع مصر أن ينظر لي ولكتاباتي بشكل عنصري، فعليا اعتز بكياني المستقل وأوجه رسالة حادة للعالم اني لا أخجل من أنوثتي اذا كنت مصر على نفيي داخل جنسي دون النظر لي كجزء مشارك وكيانا فاعل داخل مجتمع نتشاركه كلينا فانا ايضا سأمنح انوثتي وساما لانها تجاهد قبح ذكورتك بابتسامة تهكم دون التفات لتصنيفك العنصري.
- ما هي أهم الاشكاليات التي تواجه الكاتبات في العالم العربي؟
ربما لست كفأ للحديث بلسان جميعهن لكن الابتزاز الذي تتعرض له الكاتبات بكل أنواعه الجنسي والمادي والنفسي من قبل المجتمع الثقافي أو المجتمع بشكل عام، قد يفوق قدرتهن على التحمل، قدرتهن على المواجهة، كذلك الخوف فهن خائفات دائما من إطلاق العنان لأقلامهن ليكتبن بحرية خشية أن يلصق بهم المجتمع كل كلمة يكتبنها في قصيدة او قصة او رواية.
- تدرسين علم النفس الابداعي وتتوغلين في الحديث عن النفس في أعمالك ما هذا التداخل وهل ما تمر به النفس في الحياة يمكن أن تحتويه رواية؟
ما يحدث في النفس الانسانية هو المجتمع كله، فحياة الانسان وما يدور داخله من صراع يتشكل نتيجة لاحتكاكه بالمحيطين به، فنحن لا نعيش فرادي في غرف عزل، عندما نجد أحدهم يبدأ قصة بطلها او بطلتها فلانة سنجد أن هناك علاقات متشابكة مع شخوص وثقافات وقوانين المجتمع الذي يعيش فيه، لذا كل فرد داخل بنية مجتمعية كاملة، فبقدر ما هو جزء من المجموع هو أيضا يحمل المجموع كله.
- من أهم الأسماء الأدبية التي لها تأثير في مسيرتك؟
تأثرت بكل قراءاتي، فكل كتاب مهما كان كاتبه هو اضافة للكاتب ويترك أثرا فيه حتى لو كان أثر فراشة، لكن اذا كنت تريدين أسماء بعينها فانا من محبي جابريال ماركيز وايزابيل اللايندي، وهذا لا ينفي الاسر كبير للأدب الروسي فقد قرأت لدستوفيسكي وتولستوي وغوغل، وكذلك نجيب محفوظ ويوسف ادريس والعديد من الكتاب المصريين المعاصريين والعرب المعاصرين.
- لماذا بدأت الكتابة متأخرة؟
كنت أكتب خواطر وقصصا قصيرة وما يشبه القصائد النثرية طوال الوقت وانشرها على صفحات التواصل والمدونات والمنتديات الالكترونية، فالكتابة هي هوايتي منذ صغري، ربما اكون كتبت الرواية مؤخرا لاني لم أكن أعلم أن لدي القدرة على خوض هذه التجربة الكبيرة، لكن لنقل انه كان حلما مؤجلا إلى أن تأتي فرصة مناسبة تمنحه الحياة.
- كيف تختارين عناوين أعمالك؟
العمل هو ما يختار عنوانه وليس أنا فالعنوان بوابة النص الاولى ويجب أن يكون معبرا عن محتوى ومضمون الكتاب، قد يكون هذا مخالفا لسياسة التسويق الآن، فالغلاف والعنوان اللافت حتى وان كان بعيدا عن المضمون هو أحد آليات الجذب للقارئ لكني أفضل أن اختار عنوانا يكون عتبة أول ليدخل القارئ النص يجد ما يتحدث عنه هذا العنوان وليس موضوعا آخر تماما وكأنه تعرض لعملية نصب.
- تحتفظين بتكنيك خاص في الكتابة هل التجديد على مستوى البنية السردية مطلوب؟
في المطلق أنا سيدة متمردة ولا اؤمن بالتابوهات، أحب أن أكتب بحرية دون التقيد باي نمط أو تكنيك، أمشي خلف كتابتي للنهاية، وبعد ذلك اعيد قراءتها وأعيد تحرير النص أحذف وأبدل وما الي ذلك الى أن يصبح لدي يقين نهائي بأن النص جهاز للنشر، لكن طوال فترة الكتابة لا القي بالا للبناء السردي وتكنيك الكتابة.
- هل تحبين أن يرتبط اسمك بتكنيك خاص؟
لدي شعور حيادي تجاه الامر، ارتبطت بتكنيك معين او لم ارتبط،، بصراحة أكثرما أهتم به أن يحب القراء كتاباتي ايا كان التصنيف الذي سيضعها تحته الناقد.
- علاقتك بالقرآن واضحة أصوات معاني قرآنية تأتي من النص.. حدثينا عن ذلك؟
أنا من بيت ريفي معتدل الهوية الدينية شأنه شأن باقي المصريين، في قريتي كان الكُّتاب أول تجمع تعليمي ذهبت إليه في سن ما قبل المدرسة، تعلمت فيه مبادئ القراءة والحساب وحفظت أجزاء كثيرة من القرآن، كان الراديو يعمل طوال اليوم على إذاعة القران الكريم، لذا اعتبر ان القرآن جزء من تكويني اللغوي.
- التعاطي النقدى مع أعمالك، كيف ترصدينه؟
في البداية اختلف البعض حول أعمالي وهذا أمر جائز حين تكتب شيئا مختلفا، فالطريقة التي أكتب بها مغايرة نوعا ما عما اعتادوه في بنية الرواية الكلاسيكية، لكن مؤخرا تعاطي النقاد مع أعمالي بشكل جيد، تحدث عن كتبي الكثيرين، كان لي أكثر من ملف تناول في عدد من المجلات الثقافية مثل مجلة عالم الكتاب ومجلة أوراق ثقافية وميريت الثقافية، كما كتب العديدين في صحف ومنصات الكترونية وورقية، كذلك النقاد الكبار الذين قدموا قراءات نقدية ثرية لنص ليالي الهدنة في مناقشة عامة بأتيلية القاهرة.
- هذا الحضور الخاص بكونك تنفتحين على روح التجريب، هل التجريب متعة؟
لا أخطط لذلك، انا أتبع مخيلتي في الكتابة، فاللغة والبناء يفرضان نفسهما عليا، أنا فقط لا أخاف من نتائج كتابتي، أمنح كلماتي مساحتها، لكي تعبر عن كل ما أريد، وأترك التأويل والتصنيف للنقاد، لكن لكي أكون صادقة كليا معك، أحب كون نصي لديه بعض الاختلاف والتفرد، ويعجبني الجدل الذي يثار حوله.
- هل التجريب غواية قديمة في المشهد الادبي من هم في رأيك الاصوات الادبية التي تحبيها وتجيد التجريب؟
نعم كان هناك التجريب الستيناتي، فالتجريب هو ما يقود النص الروائي للتطور على مستوى اللغة والبناء الزمكاني وطريقة السرد والشكل وكذالك يمنح النص مجال أوسع لتأويل والدلالة، فالتجريب هو يمنح النص اختلافه وتفرده، فيرى من منظورات وزوايا متعددة، ربما يكون الغيطاني وصنع الله ابراهيم ووسيني.



