عاجل
الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

التحديات الأمنية فى أفريقيا: بين أسباب العنف والسبل الممكنة لتعزيز السلام

إفريقيا، القارة الواعدة بثرواتها الطبيعية وتنوعها الثقافي، تتعرض في الوقت الحالي لمشكلة العنف والتي تشكل تحديًا كبيرًا يؤثر على الاستقرار والتنمية في المنطقة بأكملها.



 

والعنف في إفريقيا يشمل مجموعة واسعة من الظواهر، بدءًا من الصراعات والنزاعات المسلحة والحروب الأهلية إلى العنف السياسي والإجرامي، وحتى العنف الأسري والجنسي.

 

ومن الضرورى إدراك أن فهم العنف في إفريقيا يتطلب أيضًا فهم الاسباب المتباينة على الاصعدة المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والسياسة والتي تسهم في تفاقم الصراعات.

 

وفي هذا السياق، يعتبر فهم العنف وتحليله بشكل منهجي أمرًا ضروريًا لتحديد الخطوات التي يمكن اتخاذها للتصدي له. ولكن قبل ذلك سنركز على ذكر أكثر مواطن الصراعات فى القارة.

 

حيث شهدت فى القارة الأفريقية ثمانية بلدان بالفعل أعمال عنف وصراعات وجرائم  متنوعة. ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية، شهدت المناطق الشرقية صراعات طويلة الأمد بين جماعات مسلحة وأعمال عنف بين الطوائف. بالإضافة إلى ذلك، يعاني الصومال من صراع مستمر مع وجود الجماعات المتطرفة وظاهرة القرصنة بالإضافة الى المجاعات المتكررة، وهو ما يؤثر سلبًا على استقرار البلاد. انطلاقا إلى جنوب السودان، بعد استقلاله، والذي أضحى يعاني من صراعات داخلية وعنف عرقي مستمر، في حين تواجه نيجيريا تحديات متعددة تتضمن تمرد بوكو حرام وصراعات طائفية وتنافس شديد على الموارد.أما عن الأزمة في ليبيا والتي لا تزال مستمرة بعد ثورة 2011، مما أدى إلى انقسام سياسي وصراع مسلح لاتزال تبعاته مستمره الى الآن. هذا بالإضافة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي حيث شهدتا دورات متكررة من العنف بسبب الاشتباكات الطائفية والجماعات المسلحة.ولا ننسي أبدا ما يعانيه السودان الشقيق، بمناطقه المختلفة مثل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، من حرب داخلية حيث شوهدت صراعات وأعمال عنف تؤثر على استقرار البلاد الى وقتنا الحالى بشكل كارثي.

 

ليس ما سلف فحسب بل ومع تصاعد التطرف في مناطق مثل الساحل والبحيرات العظمى وبقاع الصومال المختلفة وموزمبيق، فإن الأمور تزداد تعقيدًا، حيث تهدد التنظيمات المتطرفة بتوسيع مناطق الصراع في القارة، مما يضعف جهود تحقيق الاستقرار والسلام فى المنطقة. وتعتبر هذه التنظيمات التحدي الرئيسي في إفريقيا حسب تقديرات خبراء الأمن والسياسة. بالإضافة إلى ذلك، تشكل التدخلات الخارجية عاملاً آخر يزيد من هشاشة الوضع الأمني في القارة، حيث تؤدي الأنشطة السرية والتدخلات المسلحة لمرتزقة ووكلاء خارجيين إلى زيادة الفوضى وتقويض الجهود المحلية والدولية للسلام والاستقرار.

 

بالنظر إلى هذه التحديات، فإن مستقبل السلام والأمن في إفريقيا يبقى تحديًا كبيرًا، حيث يتوقع استمرار الصراعات والتوترات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العديد من الدول، مما يتطلب تكثيف الجهود الدولية والإقليمية للتصدي للتحديات وتعزيز السلام والأمن في المنطقة وانطلاقا من ذلك فأننا سنأتى على ذكر ما تعانيه أفريقيا من عنف بسرد مسبباته وطرحا لاستراتيجيات إحلال وتعزيز سبل السلام.

 

أما عن أسباب العنف في إفريقيا يمكن تلخيصها كما يلي:

 

تبدأ الأسباب فى غالب الأمر بالفقر وانعدام العدالة الاجتماعية حيث أن انعدام الفرص الاقتصادية والاجتماعية يزيد من الغضب والاحتجاجات العنيفة في بعض المناطق. هذا إلى جانب الصراعات العرقية والدينية، فالتوترات العرقية والدينية بين الطوائف تعمق الصراعات وتزيد من حدتها بين الجماعات المختلفة. ويضاف إلى ذلك النزاعات السياسية، فالصراعات بين الأنظمة الحاكمة والمعارضة تؤدي إلى اندلاع العنف وتدهور الوضع الأمني. بل إن انعدام الحكم الرشيد والفساد يؤدي إلى عدم احترام حقوق الإنسان وتصاعد العنف. ولا ريب تعلب الأزمات البيئية والصحية دورا أيضا فالجفاف وانخفاض مستويات المياه يزيدان من التوترات والصراعات وتصاعد حدة العنف هذا إلى جانب انعدام الأمن الغذائى وتفشى الأمراض والأوبئة.

 

بالنظر إلى هذه الأسباب السابقة، يشهد العنف في إفريقيا تنوعًا وتعقيدًا يعكس الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كل بلد. ومن خلال فهم هذه الأسباب والتعامل معها، يمكن للمجتمع الدولي والحكومات المحلية والمنظمات غير الحكومية العمل سويًا لتقليل مستويات العنف وتحقيق السلام والاستقرار في القارة.

 

أما عن أنواع العنف الاكثر انتشارا في قارة أفريقيا:

 

فهى تتراوح بين العنف البدني والاغتصاب والذي يعتبر من أشكال العنف الشائعة في بعض الدول الأفريقية. إلى جانب العنف الأسري حيث التعنيف المنزلي والذي يحدث في عدة بلدان، ويشمل العنف الجسدي والعاطفي ضد النساء والفتيات بل الأبناء بشكل عام. ليس ذلك فحسب بل من أهم الأنواع العنف السياسي والصراعات المسلحة،حيث النزاعات الداخلية المسلحة والتي تسهم في انتشار العنف وجرائم القتل في القارة. ولا نُغفل العنف القائم على التقاليد والعادات والتي قد يؤدي بعضها إلى تعرض النساء للعنف مثل ختان الإناث وزواج القاصرات.

 

والآن سنستعرض أهم سبل مواجهة العنف في إفريقيا: الاستراتيجيات والمقاربات الأساسية

تبدأ مواجهة العنف من تعزيز العدالة وسيادة القانون والمحاسبة الفاعلة،لأن تعزيز حكم القانون والعدالة سيعملان على الحد من الفساد، كما يجب أيضا تعزيز الرقابة وتشديد العقوبات على مرتكبى الجرائم، بل إقامة العدالة الناجزة للضحايا.وانطلاقا للقاعدة الثانية للمواجهة الفاعلة والتي لاشك تكون حول الإصلاح الأمني الذي  يهدف إلى تحسين القدرة على توفير الأمن في الدولة، وذلك من خلال تحسين الإدارة والتشغيل للقوات الأمنية والقضائية بشكل موجه ودقيق. كما أن حل الصراعات السياسية وتعزيز الاستقرار،  يجب أن يبدأ من تعزيز الحوار والتفاهم السياسي والعمل على حل الصراعات السياسية بطرق سلمية ودبلوماسية  بين القوى السياسية المتنازعة. كما ينبغي تعزيز الديمقراطية وحكم القانون وتوفير آليات لحل النزاعات السياسية بطرق متطورة. انطلاقا إلى مكافحة الجريمة المنظمة ونزع السلاح من المدنيين، فدور الحكومات يتطلب تعزيز قدراتها في مكافحة الجرائم داحل المجتمعات من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية، وبناء القدرات، والتعاون مع الشركاء الدوليين أيضا.

تعزيز آليات التعاون الإقليمية والوطنية وآليات حل النزاعات والتي ستساعد في منع الصراعات وإدارتها بشكل أكثر فعالية. حيث يتعين على البلدان الأفريقية أن تعزز التعاون فيما بينها من أجل التصدي بفعالية للصراعات عبر الحدود والتهديدات الأمنية. وبلا شك لقد قطعت المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي والهيئات دون الإقليمية مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECOWAS  خطوات كبيرة في حل النزاعات وحفظ السلام. ومن الممكن أن يساهم تعزيز هذه المؤسسات، وتبادل المعلومات الاستخبارية، وتنسيق الجهود في منع الصراعات وحلها. كما إن تشجيع عمليات الحوار والوساطة والمصالحة يمكن أن تسهل الحلول السلمية وتمنع تصاعد العنف. كما أن من أهم سبل مواجهة العنف هو تعزيز الحوار والتفاوض والمصالحة بين المجتمعات لأن كثيرا ما غذت التوترات العرقية والدينية أعمال العنف في أفريقيا. لذلك تعزيز الحوار بين المجتمعات المحلية ومبادرات المصالحة يمكن أن تساعد في سد الانقسامات وبناء الثقة بين المجموعات والطوائف المختلفة. ويتعين على الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والزعماء الدينيين أن يشاركوا بنشاط في تعزيز الحوار وأسس التفاهم واحترام التنوع.

تعزيز التنمية الاقتصادية والمساواة ومكافحة حدة الفقر جانبان حاسمان في الحد من العنف. وينبغي للحكومات والشركاء الدوليين إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي الشامل، من خلال خلق فرص العمل الملائمة، والتوزيع العادل للموارد وتشجيع ريادة الأعمال وتنمية القطاع الخاص. ومن خلال توفير الفرص العملية المختلفة والاقتصادية الحديثة والحد من التفاوت في الدخل، من أجل العمل على تحسين مستوى المعيشة،وبالتالى ستصبح المجتمعات أكثر استقرارا وأقل عرضة للعنف من خلال تعزيز التضامن والعدالة الاجتماعية.وهناك شق أخر لمواجهة العنف لا نُغفله وهو المراقبة والإبلاغ، حيث يمكن للمجتمع المدني أن يلعب دورًا هامًا في رصد الانتهاكات والتجاوزات وتوثيقها وإبلاغها للجهات ذات الصلة، سواء كانت الحكومات المحلية أو المنظمات الدولية.ولاشك يمكن أن يساهم ذلك في تعزيز المساءلة وحماية حقوق الإنسان.

 

أما عن سبل تعزيز السلام: الاستراتيجيات والنهج

 

فالبداية دوما تأت من الاستثمار في التعليم وتمكين الشباب، حيث يلعب التعليم دوراً حيوياً في تعزيز السلام، بل هو الأداة الأقوى فى مكافحة التطرف والعنف. فمن خلال توفير التعليم الجيد، وخاصة للمجتمعات المهمشة، يمكننا تمكين الأفراد وتعزيز ثقافة التسامح والتفاهم واللاعنف. ولذلك يتعين على الحكومات والمنظمات الدولية إعطاء الأولوية للاستثمار في التعليم الجيد للجميع، مع التركيز على تعزيز التسامح والتفاهم ومهارات حل النزاعات. بالإضافة إلى ذلك، فإن تمكين الشباب من خلال مبادرات التعليم وبناء المهارات يمكن أن توفر لهم مسارات بديلة، مما يقلل من تعرضهم للعنف والتجنيد من قبل الجماعات المسلحة. يضاف إلى ذلك تعزيز التوعية المجتمعية وتثقيف الشعوب بالعدالة وحقوق الإنسان، حيث  يمكن للمجتمع المدني والحكومات توجيه الجهود وتعزيز التوعية بقضايا وقيم السلام وتعزيز ثقافة الحوار والتسامح وأهمية حقوق الإنسان والاثار السلبية والمدمرة للعنف من خلال تنظيم حملات توعوية وورش عمل وندوات تعليمية تبنى القدرات والمهارات المتنوعه للقيادات المحلية وللشخصية المدنية بذاتها والتي يمكن أن تتم عن طريق التعاون مع المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى. 

 

أما التنمية المستدامة فهى أحد أهم سبل إحلال السلام، لذا فإن دعم المشاريع والبرامج التنموية المستدامة التي تعمل على تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة على حد سواء سوف تعزز من الاستقرار والرخاء. كما أن تعزيز الحوكمة والديمقراطية من خلال دعم الشفافية والمساءلة وتقديم الخدمات العامة بفعالية سوف يجلب الأمن والسلام فى كافة أرجاء المجتمعات الأفريقية.لأن الحكم الفعال وسيادة القانون يلعبن دورا محوريا في الحد من العنف. ويتعين على الحكومات الأفريقية أن تعطي الأولوية  وتعزز من مؤسسات السلام، والمراكز الحقوقية، إلى جانب مكافحة الفساد. ومن خلال التمسك بسيادة القانون، تستطيع الحكومات ضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين، وخلق بيئة مواتية للسلام والأمن.

 

وها نحن الآن نأت على ذكر أهم عوامل إرساء السلام وهى تمكين المرأة وتعزيز المساواة بين الجنسين، فالمرأة عنصر أساسي في التغيير لبناء مجتمعات مسالمة، بل هى أهم أذرع السلام والأمن فى أى مجتمع. ويجب إعطاء الأولوية لمشاركتهم في عمليات صنع القرار، ومنع الصراعات، وجهود بناء السلام. إن ضمان المساواة بين الجنسين، ومكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتقديم الدعم لمبادرات تمكين المرأة سيسهم في بناء مجتمعات أكثر سلامًا وأمانًا على المدى الطويل. ولا ننسى دورالدعم الدولي والتوسع في شبكات التعاون والتي يمكن أن تكون أداة قوية لتعزيز السلام من خلال بناء شراكات متنوعة بين المجتمع الاقليمى والدولى انطلاقا من الحملات والمنتديات والمؤتمرات. لما يمكن أن تشمله من دعم دبلوماسي، ومالي، وتقني بل وحتى تبادل الخبرات. انطلاقا إلى قاعدة بناء التحالفات الإقليمية وتعزيز التعاون المشترك بين الدول الأفريقية ودعم أطر الحوار والتفاهم بينهم لمعالجة التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية العابرة للحدود.

 

فى النهاية، يتضح أن التصدي للعنف وتعزيز السلام في أفريقيا يتطلب جهوداً متكاملة ومستمرة من مختلف الجهات المعنية،ويتطلب التزاما قويا بالسلام والعدالة والتنمية المستدامة لضمان تحقيق السلام الدائم، سواء كانت حكومات، منظمات مجتمع مدني، هيئات إقليمية، أو المجتمع الدولي بأسره. يجب علينا التركيز على تعزيز الحكم الرشيد، وتمكين الشباب والمرأة، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتعزيز ثقافة الحوار والمصالحة. إن العمل المشترك والمتواصل هو الطريق نحو بناء مستقبل أفضل لأفريقيا، حيث يكون السلام والاستقرار هما الأساس للتنمية المستدامة والرخاء الشامل. رغم التحديات التي قد تواجهنا، إلا أن الإيمان بإمكانات القارة وقدرتها على التغيير والتطور يمنحنا الأمل في تحقيق مستقبل يسوده السلام والازدهار.  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز