عاجل
الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
 درس مارتن سكورسيزى فى برلين!

درس مارتن سكورسيزى فى برلين!

نال مارتن سكورسيزى جائزة الدب الذهبى الفخرية عن مجمل أعماله فهو أحد أهم عمالقة الفن السابع عبر التاريخ.



تلك الجائزة تحفل بها العديد من المهرجانات الكبرى، وترصدها للكبار فقط، الذين اقتربوا من شاطئ النهاية، تبدو كأنها مكافأة نهاية الخدمة، إلا أن هذا المخرج الكبير لا يزال فى عنفوانه الفكرى والإبداعى، تجاوز الثمانين حقًا، لكن عقله لا يزال يقظًا ومبدعًا، كأنه فى العشرينيات، رأيته يتنقل برشاقة طوال أيام المهرجان.

 

(قتلة زهرة القمر) آخر أفلامه تم عرضه فى مايو الماضى على هامش مهرجان (كان)، والفيلم مرشح لأكثر من جائزة فى الأوسكار الذي تعلن جوائزه 10 مارس المقبل، ويعكف حاليًا على الإعداد لمشروعه القادم.

الإبداع الفنى والعمر الزمني، بينهما تناقض ما، يزداد العمر ويقل العطاء بمختلف أطيافه، ظاهرة إنسانية، لا أحد من حقه المكابرة، مرور الزمن يؤدى إلى عاملين يبدو ظاهريًا أنهما متناقضان، إلا أن بينهما تكاملاً ما، بقدر ما تمنح السنوات خبرة، تخصم أيضًا منا عددًا من القدرات حتى على المستوى الطبيعى، يحدث تناقص فى المعدلات القياسية، على السمع والنظر والقدرات الجسدية عمومًا، والإبداع يشتعل ويتجدد مع زيادة منسوب التلقى ومن مختلف الاتجاهات، ويظل الفيصل، بين فنان وآخر هو أن يزيد من حصيلة الاستقبال، رغم أن أدوات الاستقبال ليست فى كامل لياقتها.

الأمر يكمن فى وسيلة واحدة، عدم الخوف من الجديد، (الإنسان عدو ما يجهل) مقولة صحيحة تمامًا، الفارق بين إنسان وآخر هو فى قدرته على أن يحيل العداوة إلى صداقة.

هذا هو الطريق الوحيد، ترويض العداوة.

السينما تتطور تقنيًا، والمخرج عليه استيعاب كل ما هو جديد، فى التصوير والمونتاج والمؤثرات الصوتية والمرئية، وإذا لم يستوعب فلن يستطيع إنجاز أعماله، وسوف يصطدم لا محالة بكل تلك التحديات لتصبح معوقات.

وهكذا انسحب البعض من الميدان الفنى وتحديدًا السينمائى مجبرًا، مع تغيُّر أدوات التعبير بسبب تدخل التكنولوجيا فى كل التفاصيل.

لديكم مثلًا العلاقة مع (المنصات) كنافذة جديدة فى العرض، هناك من اعتبرها من أشد أعداء السينما، بينما هى فى الحقيقة، ينبغى التعامل معها بوجهها الإيجابى لصالح السينما، بعض المهرجانات رفضت الأفلام المنتجة من المنصات، وبعضها تعامل معها بمرونة، لأنها كانت وستظل فقط وسيلة جديدة فى العرض، تضيف ولا تخصم أو تلغى، فهى لن تعادى أو تستبدل مثلاً دار السينما بشاشة الكمبيوتر، كما أن هناك مشروعات تنتجها هذه المنصات يشترط أصحابها أن تعرض أولًا فى دور السينما لبضعة أسابيع قبل أن تصبح متاحة على (النت) مقابل دفع اشتراك.

والسينما كما أشار مارتن سكورسيزى فى المحاضرة التي ألقاها فى برلين قبل يومين بعد نيله (الدب الذهبى الفخرى)، السينما طقس اجتماعى، لا يمكن إلغاؤه أو استبداله، وهكذا قاومت عبر الزمن كل المستجدات العلمية مثل التليفزيون والفيديو والأسطوانة وظلت قادرة على الجذب الجماهيرى الجماعى.

 

جزء من سحر السينما يكمن فى المشاهدة مع جمهور لا تعرفه، وكل محاولات المشاهدة الفردية لم ولن تلغى أبدًا هذا الطقس.

استيعاب كل مفردات الزمن هو الطريق الوحيد لمن يريد استمرار العطاء، وهنا فقط تتحول الجائزة الشرفية لإنجاز العمر من مكافأة نهاية الخدمة، إلى دفعة قوية ينالها المبدع، ويقدم بعدها العديد من الإنجازات، وهذا هو سر وسحر المخرج مارتن سكورسيزى وسر وسحر السينما أيضًا!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز