عاجل| أسبوع الآلام عند الأقباط.. رحلة إيمانية من الشعانين إلى القيامة
رحلة إيمانية مليئة بالطقوس والدروس الروحية التي تُجسّد خلاصة إيمان الأقباط وتُجدّد مشاعرهم الدينية.
يُعدّ أسبوع الآلام، أو كما يُطلق عليه في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية "أسبوع البصخة المقدسة"، من أهم وأقدس الأيام في السنة. يبدأ هذا الأسبوع المقدس في أحد الشعانين وينتهي بِعيد القيامة المجيد، حاملًا معه عبق الإيمان والتاريخ، ومُجسّدًا خلاصة معاناة السيد المسيح وافتدائه للبشرية فى طقوس جميلة ومتنوعة تنقل المشاركين فيها الى احداث معاشة ملموسة تجدد اللحظات التي عاشها السيد المسيح و المسيحيون الاوائل، ولا تقتصر هذه الطقوس فقط على الكنائس ولكن فى البيوت أيضا ، فنجد البيوت تتوشح بالسواد من الداخل وتوضع صلبان و اضاءات و تطفأ الافلام و المسلسلات ويعلو التسبيح و الصلوات فنجد الاسر تجتمع للصلاة معًا وقراءة الكتب المقدسة و الروحية كما لايقوم البعض بعمل "طبيخ" او الانشغال باعداد الطعام والولائم وتقل الانشطة الاجتماعية و المجاملات وتزيد الصلوات و النسك والزهد و ساعات الصوم الانقطاعى فى هذه الايام ، و التفرغ للعبادة واليكم نبذه بسيطة عن ايام الاسبوع .

سبت لعازر :
يعد هذا اليوم استعدادا لاحد الزعف ، حيث نتذكر فيه معجزة اقامة لعازر من الاموات و نرى فيه سلطان السيد المسيح على الموت و استدعاء روح لعازر من الجحيم و اقامة جسده بعد اربعة ايام من موته .

أحد الشعانين او احد الزعف:
ينطلق أسبوع الآلام في أحد الشعانين، حاملًا ذكرى دخول السيد المسيح إلى أورشليم وسط استقبال حافل من الشعب، حاملين سعف النخيل وأغصان الزيتون، مردّدين "هوشعنا يا ابن داود، مبارك الآتي باسم الرب. اوصنا فى الاعالى" ، ويأتى المسحيين فى الصباح الباكر حاملين الزعف و اغصان الزيتون كنوع من السماح و التهليل لله ان يملك على قلوبهم وحباتهم كما ملك على اورشليم قديمًا و رفضوه ولكن نحن المسيحيين نرحب به ونطلب منه الملك على حياتنا.

ويختتم هذا اليوم بصلاة التجنيز العام وهى صلاة جنازة تصلى على مياه و يقوم الكاهن برش هذه المياه على الشعب وجموع الحاضرين ويرجع هذا الى سبب هام وهو انشغال الكنيسة فى هذا الاسبوع برحلة الالام والمجد الخاصة بالسيد المسيح لذلك لا تقوم برفع بخور او ممارسة الاسرار فى هذه الايام مما يعنى ان فى حاله وفاه شخص فى هذه الفتره لن تُصلى عليه صلاة الجنازه المعروفة بطقوسها و التي تبدأ برفع البخور ، لذلك رتبت الكنيسة هذا الطقس ( الجناز العام ) احتسابًا لانتقال اى شخص بأن يكون تم الصلاة عليه ( مقدمًا ) بالفعل وهو على قيد الحياة، لذلك يحرص جميع المسحيين على حضور احد الزعف و صلاة التجنيز العام .

ثم تتوشح الكنيسة بالرايات والاعلام السوداء استعدادا لطقس البصخة ، و البصخة هى كلمة يونانية الاصل وتعنى عبور او اجتياز وتطلق على فترة أسبوع الآلام، وقد نُقِلَت بلفظها تقريبًا أو بمعناها إلى معظم اللغات، فهي في القبطية واليونانية «بصخة Pascha»، وفي العربية «فصح»، وفي الإنجليزية Pass-over
اى عبور رحله الالام مع المسيح الى المجد و الانتصار على الموت والانتقال من الهاوية الى ملكوت السموات .

الاثنين الكبير:
يُعرف هذا اليوم بيوم "اثنين البصخة"، حيثُ نحتفل فيه بِمعجزة تجفيف التينة، دلالة على قدرة الله تعالى وقوته المطلقة على الخلق و الخليقة و تجديد الخليقة. فهذه المعجزة تُذكّرنا بأن الله قادر على كل شيء، وأن إيماننا به يجب أن يكون ثابتًا مهما واجهنا من صعوبات وتحديات." .

الثلاثاء الكبير:
يُسمّى هذا اليوم "ثلاثاء البصخة" ونذكر فيه السيد المسيح المعلم وقوة تعليمة و سلطانة على التعليم بطريقة مختلفة عن تعليم الكتبة و الفريسيين اليهود فهو كان يقول و يعمل ما يقوله ، انما هم كانوا يقولون و يعلمون ولا يعملون ما يقولون.

الاربعاء الكبير (أيوب):
يُطلق عليه "أربعاء أيوب" ، وفيه نقرأ قصة أيوب الصالح وِمثابرة إيمانه أمام التجارب والابتلاءات.

خميس العهد او الخميس الكبير:
يُعدّ هذا اليوم من أهم أيام أسبوع الآلام، حيثُ نحتفل فيه بِذكرى غسل السيد المسيح لأقدام تلاميذه، دلالة على التواضع والمحبة والمغفرة العملية. كما نحتفل فيه بتأسيس سر الافخارستيا او التناول، ويصلى فيه "القداس الإلهي" بشكل مختلف وسريع جدا عن المعتاد.

الجمعة العظيمة:
يُعدّ هذا اليوم أقدس يوم في السنة، حيثُ نُحيي فيه ذكرى صلب السيد المسيح وموته على الصليب، كفارة عن خطايا البشرية. تُقام في هذا اليوم صلوات كثيرة جدا في جوّ من الحزن والخشوع، ويبدأ اليوم بقراءة بيان الجمعه العظيمة فى حدود السادسة صباحا وينتهي بإنزال جثمان السيد المسيح من على الصليب وتكفينه و وضعه فى القبر فى حدود الساعة السادسة مساءً اى حوالى ١٢ ساعة متواصلة من الصلوات و التضرعات و التتبع الدقيق لرحلة الالام و طريق الصليب بمحطاته المختلفة من اول القبض على المسيح ليله الجمعة مرورًا بمحكامته ثم الحكم بالجلد و الصلب و انتهاء بصلبه وموته و تطيب جسده.

سبت النور:
يُعرف هذا اليوم بِـ"سبت النور" او " سبت الفرح" وسمى ذلك لان نور الرب اشرق على الجالسين فى الظلمة و ظلال الموت ، كما نستخدم فيه الشموع و نطوف الكنيسة عدده مرات مبشرين بخلاص الله للانسان و نتلوا صلاة تسبحة نصف الليل لاول مره بعد انقطاعها اسبوع كامل و تكون منقسمه نصفين يصلى النصف الاول باللحن الحزاينى و الثانى باللحن الفرايحى وذلك اشارة الى اننا حزاني على خطايانا و فرحين بأن الله خلصنا من خطايانا بموته و قيامته بالجسد ، ثم نقراء سفر الرؤيا وهو اخر اسفار العهد الجديد ثم تنتهى هذه الحالة الرائعة الممزوجة بمشاعر الحزن والفرح ب"القداس الإلهي" السريع و يتم تبديل الستور و الرايات السوداء بأخرى بيضاء، اعلان على انتهاء الاسبوع و الحزن و بداية الفرح و التهليل استعداد للاحتفال بعيد القيامة.

أحد القيامة:
يُعدّ هذا اليوم أعظم عيد في المسيحية، حيثُ نحتفل فيه بِقيامة السيد المسيح من بين الأموات بالجسد، مُنتصرًا على الموت، مُبشرًا بِالحياة الأبدية وملكوت الله. فهو عيد الاعياد تُقام صلاة "القداس الإلهي" في أجواء من الفرح والبهجة تعلن القيامة من خلال طقس هام جدا وهو تمثيلية القيامة حيث يقوم كبير الكهنة بالتواجد داخل الهيكل ومعه ايقونة القيامة ( صورة القيامة )، وتحدث محادثة افتراضية بينه وبين كبير الشمامسة الذي يكون خارج الهيكل مع اطفاء انوار الكنيسة، ويتبادلوا الحديث بعبارات "افتحوا ايها الملوك ابوابكم وارتفعى ايها الابواب الدهرية ليدخل ملك المجد - الرب العزيز القوى الجبار القاهر فى الحروب هذا هو ملك المجد " وتدل هذه الطقوس على القيامة و تأثيرها على الانسان المسيحى حيث انتقل من الظلمة ( الخطية ) الى النور ( الحياة الابدية) بفعل القيامة ورد الانسان مره اخرى الى الفردوس ثم تضاء الانوار و الشموع و تخرج الورورد معلنه القيامة ثم يطفون الكنيسة رافعين الصلبان و الرايات البيضاء مع الترانيم و الالحان الفرايحى ونُتبادل التهاني بِالعبارات المسيحية مثل "المسيح قام، حقًا قام، و باليونانية اخريستوس انيستى ، اليسوس انيستى ، وتستمر الاحتفالات بالقيامة لمدة خمسين يوم يصلى فيها بالطقس الفرايحى و يمنع فيها اصوام الاربعاء و الجمعه من كل اسبوع .

الختام: "أسبوع الآلام رحلة إيمانية عميقة تُجدّد إيماننا وتُقوّي عزمنا على اتباع تعاليم المسيح. إنها رحلة تُذكّرنا بمعنى الخلاص والخلاص من الخطايا، وتُشجّعنا على العيش حياة مُتّسقة مع إيماننا. نرجو أن نكون قد وفّقنا في نقل بعض معاني هذه الرحلة المقدسة، ونترككم مع دعوة للتأمل في معانيها وأهميتها في حياتنا المسيحية." نتمنى للجميع اصوام وصلوات مقبولة وايام كلها بركة و فرح و بهجة. ، كل عام وكل المصرين بخير وسلام ."



