الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

بعد غياب دام عشر سنوات مهرجان المسرح الخليجي يحتفي بعودته على أرض الرياض للمرة الأولى

بوابة روز اليوسف

ارتبطت المملكة العربية السعودية بصورة ذهنية نمطية في التفاعل مع الفنون بشكل عام ووضع المرأة ضمن تلك الفنون بشكل خاص؛ بينما تأتي هذه الأعوام الأخيرة الماضية لتكسر فيها المملكة هذا النمط وتفتح لنفسها أفق جديد في التفاعل مع الفن وتحطم الجدار العازل بين الفن والممارسة الأنثوية له على خشبات المسارح..وبالتالي رحبت المملكة هذا العام باحتضان الدورة الرابعة عشرة لمهرجان المسرح الخليجي الذي كان يقام منذ عشر سنوات في كل دولة من الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي وهم السعودية؛ البحرين؛ قطر؛ الكويت؛ سلطنة عمان؛ الإمارات؛ ثم توقف المهرجان عشر سنوات كاملة لتكون عودته هذه المرة مع انفتاح المملكة على الفنون والترحيب بتنظيم وإقامة المهرجانات على أرضها.

 

  اتحدت دول الخليج معا اتحادا أوروبيا.. حيث اتخذت من هيكل الاتحاد الأوروبي شكلا ونموذجا في تشكيل اتحاد فني بالمسرح عنوانه الاجتماع على الهوية؛ نظمت هذه الدول مجلسا للتعاون الخليجي لتبادل إقامة فعاليات هذا المهرجان الفني كل عامين في دولة مختلفة؛ حيث اتخذت من عمق التقارب والهوية والبيئة المحيطة مسارا لتشكيل كيان فني مميز ومغاير للسائد بمهرجانات العالم العربي؛ كانت قد انطلقت الدورة الأولى لهذا المهرجان الاستثنائي من دولة الكويت عام 1984 والذي يهدف بالمقام الأول لاجتماع دول الخليج معا على تقديم أعمال مسرحية متنوعة فيما بينهم نظرا لما يجمع هذه الدول من خلفيات ثقافية وذهنية متقاربة؛ توالت فعاليات المهرجان بين الدول الأعضاء باستثناء المملكة العربية السعودية في ذلك الوقت لما كانت تعتنقه المملكة وقتها من منهج يحدد الشكل الذي تقدم عليه الأعمال المسرحية في إطار ضيق ومحدود للغاية؛ عندما اتسعت الرؤية وانفتحت المملكة على جميع أشكال وأنواع الفنون وعلى رأسها المسرح بدأت في منح مساحات للمرأة للمشاركة والممارسة الفنية بجانب الرجال ومن هنا انطلقت فعاليات الدورة الرابعة عشرة بين أحضان مدينة الرياض على خشبة مسرح جامعة الأميرة نورا بنت عبد الرحمن تحت قيادة سمو الأمير بدر الدين بن عبد الله بن فرحان وزير الثقافة السعودي ومدير المهرجان خالد الباز؛ ورئيس اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية بمجلس التعاون الخليجي خالد الرويعي حيث شارك ضمن فعاليات المهرجان ستة دول تنافسوا على إحدى عشر جائزة هم قطر؛ الكويت؛ سلطنة عمان؛ الإمارات؛ السعودية؛ والبحرين؛ من هذه العروض المشاركة "بحر" من المملكة العربية السعودية؛ "أشوفك" الإمارات؛ "الخيمة" قطر؛ "الروع" سلطنة عمان؛ "عند الضفة الأخرى" البحرين؛ "غصة عبور" الكويت؛ ضمت عضوية لجنة تحكيم المهرجان الدكتور أيمن الشيوي من مصر رئيسا؛ سها سالم العراق؛ جاسم الأنصاري قطر؛ يوسف البلشي عمان؛ إبراهيم سالم الإمارات؛ مروة الأطرش سوريا؛ نايف البقمي السعودية. 

 

 

 

اشتركت هذه العروض في تناول موضوعات ذات طابع محلي كانت أقرب للتعبير عن البيئة القادمة منها وتعقيداتها الشائكة حتى أن معظمها استخدم اللهجة المحلية للدولة الخاصة به مما تعذر على ضيوف المهرجان التواصل مع بعضها وبالتالي شكل نوع اللهجة واللغة المستخدمة في عرض قضية العمل الفني عائقا كبيرا في التواصل معه بجانب أسلوب وطريقة الإلقاء بإيقاع لاهث سريع؛  مثل عروض "بحر"؛ "الروع"؛ "أشوفك"؛ و"الخيمة" بينما خرج عن هذا النموذج وحلق بعيدا عن التراث المحلي عرض "غصة عبور" للمؤلفة تغريد الداود وإخراج محمد خالد الأنصاري؛ ربما تفوق هذا العمل في عناصره الفنية واستحق الحصول على جائزة أفضل عرض مسرحي لهذه الدورة لما حمله من جودة في أكثر من عنصر فني أوله كتابة النص الذي تناول قضية إنسانية بعيدة عن السياق العام الذي اتبعته عروض المهرجان من الإنشغال في الانغماس بقضايا شديدة الارتباط بالبيئة المحلية التراثية الوافدة منها؛ في "غصة عبور" تناول العرض قصة مجموعة من الأفراد من خلفيات اجتماعية مختلفة حبسوا على جسر تعذر معه العبور للضفة الأخرى أو العودة للمكان الذي جاءوا منه وبين محاولات النجاة وعرض قضية كل فرد على هذا الجسر الشائك يظهر رجل يؤرق هؤلاء ويبث في روعهم الذعر والخوف عندما يقرر التخلص من الحمولة الزائدة على هذا الجسر بإلقاء ابن المرأة المسكينة التي تاهت بها السبل في الحياة حتى تقرر في النهاية الإنتحار لإنقاذ ابنها؛ بين المآسي الإنسانية وقيم التضحية في مواجهة رجل محتال قدم هذا العمل الفني قضيته؛ تفوق في عناصر الديكور والتمثيل على وجه التحديد خاصة البطل عبد الله التركماني الذي لعب شخصية هذا المحتال الوافد عليهم بشكل مفاجئ بين الجد والهزل والسخرية والحماقة اتخذ التركماني من تلك المشاعر المتضاربة سبيىلا في رسم شخصية هذا الرجل الأشبه "بالجوكر" شخصية ثرية دراميا أثقلها أداؤه التمثيلي الذي استحق عليه جائزة أفضل ممثل درو ثان؛ بجانب سعي الكاتبة تغريد الداود للخروج عن النمط السائد بعروض المهرجان وتقديم عمل إنساني استعرضت فيه مهاراتها حمل أبعادا أخرى أبعد من مجرد عرض لأشكال المعيشة وتنوعها بالبلدان المختلفة على تنوع وتعدد الهويات المشاركة.         تفوقت معظم عروض المهرجان في عناصر السينوغرافيا والتشكيلات الحركية والبصرية حتى أن بعضها منح العناصر البصرية أهمية قصوى طغت أحيانا على أداء الممثلين وهذا ما أشارت إليه لجنة تحكيم المهرجان في توصياتها برئاسة الفنان أيمن الشيوي الذي أذاع تلك التوصيات بحفل الختام والتي جاء بها.." ضرورة الإلتفات لمدى تقارب العروض المشاركة من مستواها الفني وضرورة دعم تنظيم ورش فنية في عناصر العرض المسرحي المختلفة على رأسها التمثيل والإخراج؛ كما اتضح تفوق بعض العروض في استخدام عناصر الإبهار للعرض المسرحي إلا أن اللجنة رأت أن هناك أحيانا تشوش وإفراط في استخدام التقنيات البصرية بالأعمال المسرحية".

تم نسخ الرابط