
عاجل| إسرائيل على خطى داعش وطالبان.. دمرت آثار لبنان

منيرة الجمل
سلط موقع شبكة تليفزيون "إن بي سي نيوز" الأمريكي، اليوم الأحد، الضوء على مواجهة التراث اللبناني القديم وابلاً من الغارات الجوية الإسرائيلية.
وذكر الموقع أن عالم الآثار اللبناني "نادر صقلاوي" صور سقوط الصواريخ الإسرائيلية قرب أعمدة رومانية قديمة يوم 24 أكتوبر الماضي في مدينة صور بجنوب لبنان، وهى إحدى أقدم المدن المأهولة بالسكان على مستوى العالم.
أدت حرب إسرائيل ضد حزب الله إلى مقتل أكثر من 3200 شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين في لبنان وفقًا لمسؤولين محليين، حيث تعهد جيشها بإنهاء قدرة حزب الله على إطلاق الصواريخ وغيرها من الهجمات على شمال إسرائيل، ما أجبر حوالي 60 ألف إسرائيلي على الفرار من منازلهم بالقرب من الحدود.
ونوه الموقع إلى أن الصراع يخلف أيضًا خسائر فادحة في تراث لبنان الفريد والقديم، إذ أدت الغارات الجوية إلى تدمير قرى عمرها قرون، وتعريض المواقع الأثرية الهشة التي يعود تاريخها إلى آلاف السنين للخطر، مثل الآثار الرومانية الشهيرة في بعلبك، وهو أحد مواقع التراث العالمي للأمم المتحدة.
وأشار الموقع إلى تدمير قرية محيبيب التاريخية، التي تضم مقامًا قديمًا، وبلدة النبطية، التي تضم سوقًا يعود تاريخه إلى قرون مضت، بالكامل وفقًا لوسائل التواصل الاجتماعي التي استعرضتها شبكة إن بي سي نيوز ومقابلات مع السكان السابقين.
جدير بالذكر أيضا أن دولة لبنان، يبلغ عدد سكانها حوالي 5 ملايين نسمة في شرق البحر الأبيض المتوسط، غارقة في التاريخ، وتضم خمسة مواقع أخرى صنفتها الأمم المتحدة كمواقع للتراث العالمي.
وبين الموقع أن لبنان كانت على مفترق طرق الحضارات القديمة، حيث استضافت مدنًا ومعابد وآثارًا فينيقية ومصرية ويونانية وفارسية ورومانية. وفي وقت لاحق، بنى الصليبيون المسيحيون قلاعًا على طول الساحل، والتي أعاد حكام العثمانيين المسلمين استخدامها.
يعود تاريخ بعض المواقع إلى العصر الحجري القديم، منذ حوالي 2.58 مليون سنة، عندما تعلم البشر لأول مرة كيفية استخدام الأدوات الحجرية.
بحسب الموقع، تظهر صور الأقمار الصناعية أن تسوية القوات الإسرائيلية عدة بلدت وقرى جنوبية بالأرض قرب الحدود مع لبنان، في حين تستهدف الغارات الجوية شبه اليومية أهدافا مزعومة لحزب الله في جنوب بيروت، ما تسبب في اهتزاز النوافذ والجدران في جميع أنحاء المدينة.
واستهدفت الهجمات أيضًا منطقة بعلبك في شرق لبنان، موطن أحد أكثر المواقع الرومانية إثارة للإعجاب في العالم، والتي تتميز بمعابد إمبراطورية ضخمة ومدرج لا يزال يستخدم للحفلات الموسيقية في العصر الحديث.
وتضم قائمة المطربين الذين أطربوا الجمهور في المدرج نجوماً عرباً مثل فيروز وأم كلثوم، وفنانين غربيين مثل نينا سيمون، وبلاسيدو دومينغو، وماسيف أتاك، وديب بيربل.
وأبرز الموقع مخاوف المشرعين اللبنانيين ومطالبتهم بالتدخل الدولي بعدما أدت غارة جوية إلى تدمير مبنى بالكامل وحافلات على بعد أمتار من أحد الهياكل الرومانية، في نوفمبر الجاري.
بدورها، قالت النائبة اللبنانية نجاة صليبا في مؤتمر صحفي طارئ، أول الشهر الجاري: "إن هذا النداء يتجاوز الحفاظ المادي. إنه يتعلق بحماية التقاليد والقصص والقيم التي تمثلها هذه المواقع، والإرث الذي يربط ماضينا بمستقبلنا".
- عدو مثل إسرائيل
استخدم الفينيقيون، الذين ازدهروا منذ أكثر من 4000 عام وطوروا أول أبجدية في العالم، ما يُعرف الآن بلبنان كنقطة انطلاق لتأسيس مستعمرات عبر البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك مدن قادس في إسبانيا الحديثة وقرطاج، العدو اللدود لروما، والتي تقع أطلالها في تونس.
بحسب التقاليد التوراتية، أرسل الملك حيرام ملك "صور" المواد والحرفيين للمساعدة في بناء معبد سليمان في القدس حوالي عام 957 قبل الميلاد، وهي لحظة مهمة في التاريخ اليهودي.
وقال صقلاوي، الذي يشرف على المواقع التراثية في جنوب لبنان، لموقع شبكة "إن بي سي نيوز" في المتحف الوطني بالعاصمة بيروت: "أنا أبكي... إذا كان لدينا عدو مثل إسرائيل، فماذا يمكننا أن نفعل معه؟ ماذا يمكننا أن نفعل؟".
وأكد الموقع أن أثناء إجراء المقابلة مع صقلاوي سمعوا دوي انفجارات الغارات الجوية الإسرائيلية على مسافة قصيرة بالسيارة في الضواحي الجنوبية للمدينة.
ويقول علماء الآثار إن التوابيت الرومانية الضخمة في المتحف والتي تحتوي على نقوش لمشاهد من حرب طروادة - مثل ملك طروادة وهو يتوسل إلى البطل اليوناني أخيل للحصول على جسد ابنه هيكتور - تشهد على الكنوز الثقافية في لبنان، والتي لا يزال بعضها مدفونًا في المواقع القديمة وحولها.
ويقول الجيش الاحتلال إنه يستهدف حزب الله فقط، ويتهم المجموعة بالتمركز في البنية التحتية المدنية أو بالقرب منها، بما في ذلك المواقع التراثية.
وأكد الموقع أن هذا القتال قد يكون مدمراً، حتى لو لم يتم استهداف الموقع بشكل مباشر.
وقالت عالمة الآثار اللبنانية تانيا زافين، المديرة الإقليمية للمواقع الأثرية في شمال لبنان، إن الاهتزازات الناجمة عن الغارات الجوية يمكن أن تؤدي إلى تشقق أو حتى إسقاط الهياكل القديمة الحساسة، وتدمير القطع الأثرية في الأرض التي لم يتم التنقيب عنها بعد.
- الآثار ضحايا الحروب
كما أعربت عن قلقها من أن المواقع التاريخية أصبحت ضحايا للحرب، مشيرة إلى تدمير تنظيم داعش للهياكل والتماثيل القديمة في شمال العراق وسوريا بين عامي 2013 و2019، فضلا عن تدمير تماثيل بوذا في باميان بأفغانستان على يد طالبان، عام 2001.
وفق الموقع، أدى انعدام القانون الذي أعقب غزو العراق عام 2003 إلى نهب المتحف الوطني، كما أدت الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة والحكومة العراقية ضد تنظيم داعش إلى تحويل جزء كبير من المدينة القديمة في الموصل إلى أنقاض.
أوضحت "تانيا" لشبكة إن بي سي نيوز، أثناء مقابلتها بمدينة جبيل الساحلية القديمة في شمال لبنان: "يتعين على العالم أن ينهض لوقف هذا لأن هذا ليس علم آثارنا، وليس ماضينا. نحن فقط حراس هذا الإرث. نحن حراس قصة الإنسانية".
جلست "تانيا"، بالقرب من موقع معبد عمره 4000 عام، على عمود روماني يطل على جدار من العصر البرونزي بجوار قلعة صليبية، كانت أساساتها مرصعة بقواعد أعمدة قديمة استخدمت كمواد بناء، وقالت: "قلبي ينفطر. روحي تتألم. والأسوأ من ذلك أننا لا نستطيع أن نفعل أي شيء سوى كتابة التقارير والتوسل إلى البلدان للاستماع إلينا لأن هذا ليس تاريخنا فقط، بل هو تاريخ العالم."