د. أماني ألبرت
الحرب الإعلامية على الموقف المصري
تلعب وسائل الإعلام المختلفة دورًا مهمًا في الحروب الحديثة، إذ يمكن استخدامها لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية، وللتأثير بشكل كبير على الرأي العام وتوجهاته، فهي وسيلة تصنع وتشكل الصورة العامة للصراع وتحدد التوجهات العامة نحوه.
لذا استخدمت كيانات ودول أدوات إعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي لتشكك في دور مصر نحو القضية الفلسطينية، رغم أنه واضح للقاصي والداني دور مصر الإقليمي والدولي في صد المحاولات التي تسعى لتصفية القضية الفلسطينية، إلا أن هناك تحركا خبيثا يشكك في موقف مصر من القضية تارة، وتارة أخرى يتهم مصر بمساعدة إسرائيل في عملياتها العسكرية برسو شاحنة أسلحة إسرائيلية في مواني مصرية، ومع تصاعد الحرب على غزة حرص المشككين على استخدام أبواق إعلامية ضد مصر من أجل انتشار واسع، فهناك حرب خفية تعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير على الرأي العام بطرق غير مباشرة.
وفي ظل حروب الجيل الرابع يعمل الصراع بمثابة الأدرينالين الذي يحفز وسائل الإعلام، ويقول الكاتب ديفيد هوليس في كتابه "الحرب الإعلامية: الحرب الخفية"، بأنها " عمليات تحرير أدوات الإعلام لخدمة الأجندات السياسية والعسكرية"وفي ، فالحرب الإعلامية تستخدم من قبل الدول والأطراف المتنازعة في مختلف الصراعات، وهي تهدف إلى تغيير الصورة العامة للمواجهة العسكرية.
ويشير روبرت ب. روس في كتابه "الحرب النفسية والإعلامية والإعلام الحربي: الأسس والتطبيقات"، لاستخدام وسائل الإعلام المختلفة لإثارة القلق والتوتر والتأثير على الرأي العام، وتشكيل الصورة العامة للأحداث والمواقف ما يمكن أن يشكل خطرًا على الأمن القومي. فالإعلام يسعى للحصول على الأفضلية النفسية قبل الفوز الميداني ويتم هذا عبر تخطيط مسبق ودقيق وخفي.
وإذا كانت الحروب الأولى حدثت بالعصي والحجارة، فإن الحرب الحديثة هي ساحة معركة عالية التقنية حيث ظهرت وسائل التواصل الاجتماعي كسلاح مفاجئ وفعال، بهدف إحداث ضرر دائم لبعض الجهات الفاعلة مثل الحكومات أو الشركات من أجل الدفع بأجندات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، وتهدف هذه الحرب عادةً إلى التلاعب بالتصورات والآراء والعواطف والسلوكيات، وتتضمن نشر معلومات كاذبة ومضللة.
ربما اقتصرت المعركة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في البداية على الساحة السياسية، لكن يتم الآن استخدامها من قبل مختلف الجهات الفاعلة كسلاح استراتيجي، فهناك الفاعلون السياسيون الذين يستخدمونها للدفع بأجندة سياسية معينة لزعزعة استقرار الأنظمة السياسية، أو تفكيك ثقة المجتمع في الحكومة، وهناك الفاعلون الاقتصاديون الذين يسعون لإلحاق الضرر المادي بالمنافسين، وهناك الفاعلون ذوو الاهتمامات الخاصة لتحقيق مكاسب معينة مستخدمين جماعات الضغط للتأثير على الرأي العام.
وفي سياق حرب وسائل التواصل الاجتماعي، يتم استخدامها بطرق وبتوجهات استراتيجية مختلفة، تتضمن أربع فئات، أولها الاستهداف ويعني تحديد مواقع قوات العدو من خلال الوصول إلى حساباته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لشن هجوم عليه ثم يتم التلاعب برأي مجموعة من الرأي العام للإضرار بسمعته، وثانيها هي التلاعب، وهي استراتيجية مركزية في حرب وسائل التواصل الاجتماعي، فمثلاً يتم استخدام الدعاية الرقمية للخداع من خلال نشر معلومات أو إشاعات كاذبة ، ويحاول المهاجمون خداع المجموعة المستهدفة بطريقة منهجية، وكذلك إنتاج اهتمام مصطنع لموضوع ما من أجل تحويل الانتباه بعيدًا عن موضوع آخر، وعبر بث الارتباك من خلال تقديم معلومات متناقضة، وعبر التقسيم إذ يحاول المهاجمون تقسيم الآراء من خلال نشر الأفكار المتطرفة وكذلك الكراهية والتحريض على الإنترنت، وتشويه السمعة والتشهير.
وأحيانا تتم الحرب الإعلامية بمساعدة أدوات مثل الروبوتات التي تقوم بتضخيم محتوى ما، فتمنح المحتوى لكتلة رقمية غاضبة وتسعى للتأثير على المستخدمين العاديين، فيندرجوا كجزء من جموع الإنترنت الغاضبة، وبالتالي يحشدون المزيد من المستخدمين (الحقيقيين) الآخرين وهكذا.
ولكن مهما كانت شدة الحرب، يبقى الرهان الحقيقي على وعي المصريين الذي زاد بشكل ملحوظ في العقد الأخير، من كثرة الهجمات المضللة ضد الدولة، لم تعد جماهير الشعب تصدق الشائعات والاتهامات وخاصة في ظل الردود الرسمية السريعة التي توضح بها الدولة الصورة كاملة، إن كل شائعة جديدة تثبت لمصر صحة موقفها، وتزيدها إصراراً على المضي قدماً في سياستها، فحين يلصق عدوى بي تهمة ما، فبكل تأكيد أنه قد تأذي وتضرر مما أفعله ولأنه لا يقدر على مواجهتي فلا يعرف ماذا يفعل سوى إطلاق الأكاذيب التي تتبخر سريعاً.