د. صبري زمزم يكتب: قلبي الموعود بالعذاب

 استطاع العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ.. أن يتربع على قلوب الملايين من الذين عشقوا أغنياته، فأحبه الكبير والصغير، وغنى القوة والكبرياء والإرادة والتحدي والمستحيل, غنى للناس بصدق يندر أن يتكرر، فأحبه الناس بنفس الصدق والعشق.

اتسع قلبه لحب العالم والناس جميعًا، كان يبذر حبًا ويجني حبًا، رحم قلوبنا من كتم الآهات فرددناها معه,، وأشاع السعادة في قلوبنا. فغنى قلبي الموعود بالعذاب وهي من تأليف محمد حمزة، وفيها يناجي عبد الحليم حافظ بصوته المشحون بالإحساس قلبه إثر تجربة حب فاشلة وعلى ألحان الموسيقار المدهش بليغ حمدي - التي تصب في الوجدان مباشرة- قائلا في حزن وأسى على سبيل المواساة والاعتراف بسوء حظ قلبه معه: موعود معايا بالعذاب موعود يا قلبي موعود ودايما بالجراح موعود يا قلبي

ولا بتهدى ولا بترتاح في يوم يا قلبي

وعمرك ما شفت معايا فرح كل مرة ترجع المشوار بجرح

ولكن قلبه ناداه ليخوض تجربة جديدة ربما يبتسم له الحظ هذه المرة فيقول له محذرا:

والنهاردة جاي تقول انسى الآهات جاي تقول لي يالا بينا الحب فات

وساعده في الغواية حبيبه الذي ميل وحدف منديله مواعدا إياه:

وميل وحدف منديله كاتب على طرفه أجيله فيناشد دنياه ويستحلفها قائلا:

وأمانة يا دنيا أمانة تاخدينا للفرحة أمانة

وتخلي الحزن بعيد عنا وتقول للحب استنا استنا

ثم يقف مع نفسه ويخاطبها بصوت العقل بتردد:

تاني تاني تاني حنروح للحب تاني والنار والعذاب من تاني

تاني تاني تاني حنروح للحيرة تاني ونضيع ونجري ورا الأماني

ويغيب القمر ونعيش السهر وأهات الألم بليالي الندم

ثم يسترحم الدنيا أن تشفق عليه قائلا: ياللي شفتي في عيني دموع وأنا دايما راجع وحيد

خلي فجر الحب يطلع بدري يملي مشوارنا الجديد

وأمانة يا دنيا أمانة تاخدينا للفرحة أمانة

وتخلي الحزن بعيد عنا وتقول للحب استنا استنا

ثم يبدأ مع قلبه مشوارا جديدا إلى الحب ومع المحبوب فيستشعر الحيرة من أمره القلق على مصيره: 

وابتدي ابتدي ابتدي المشوار وآه يا خوفي من آخر المشوار جنه ولا نار آه يا عيني رايح وانا محتار آه يا خوفي وهنا تأتي لحظة اللقاء بمن أحب فيصفها بأجمل الأوصاف:

واتقابلنا والحياة قدام عينينا حلوة واتقابلناوالكلام فوق الشفايف غنوة

كل حاجة فكرت فيها في لحظة واحدة ردت عليها بنظرة حلوة من عينيها ويصل إلى الذروة بالإحساس بالأمان والحنان وظن السعادة  ستدوم: الأمان في عينيها حسيت إني عديت للأمان في عينيها والحنان خد مني وادفا يااللي محروم من الحنان والقمر طلع والخوف بعد والهوى دفي والليل سمع

ليصل الى ذروة الفرحة والسعادة والأمل ولكن يحدث الفراق والبعاد كما يتكرر كل مرة دون أن يصل الحب إلى شاطئ الأمان فيتساءل موجها كلامه لقلبه مرة أخرى: شوف بقينا فين يا قلبي وهي راحت فين شوف خدتنا لفين يا قلبي وشوف سابتنا فين

ثم يتأكد من العودة إلى الفشل والإحباط فيقول: في سكة زمان راجعين في سكة زمان في نفس المكان ضايعين في نفس المكان  لا جراحنا بتأسى يا قلبي ولا بننسى اللي كان ياقلبي وإذا بالكون كله يشاركه حزنه على حبه الضائع  حتى السماء تشاركه أحزانه فتبكي: بتصحي الطريق خطاوينا وأنين السنين والسما بتبكي علينا والناي الحزين حتى نجوم ليالينا والقمر غايبين وإذا به يعود كما بدأ:

وتاني تاني تاني راجعين أنا وأنت تاني للنار والعذاب من تاني وعندما يتأكد من فشل تجربة الحب يأسى ويقول لقلبه في ندم :

وتاني تاني تاني راجعين للحيرة تاني هايمين ونجري ورا الأماني

تاني تاني تاني حنروح للحيرة تاني ونضيع ونجري ورا الأماني

ويغيب القمر ونعيش السهر وآهات الألم وليالي الندم

ثم يناشد الدنيا ألا تعرضه لآلام الحب وعذابه مرة أخرى في اقتناع تام بمرارة التجربة وعمق الجرح فيقول :

وأمانة يا دنيا أمانة تداوينا من جرح هوانا وتخلي الحب بعيد عنا ولا يستنانا ولانستناه أمانة وتنتهي الأغنية بالعودة إلى نقطة الصفر مرة أخرى بعد معاناة مرارة التجربة لقلبه الموعود بالعذاب.