
نيويورك تايمز: ترامب يتعمد ترويج الشائعات لتغيير أمريكا والعالم

منيرة الجمل
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا، اليوم الأحد، عن استخدام الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أسلوب الكذب وتشويه الحقائق لإحداث التغيير الذي يريده.
بدأت الصحيفة تقريرها، بترويج أخبار مثل إرسال الولايات المتحدة واقيات ذكرية بقيمة 50 مليون دولار إلى حماس، وتسبب برامج التنوع في تحطم طائرة داخل أمريكا، وسيطرة الصين على قناة بنما، وأخيرا بدء أوكرانيا الحرب مع روسيا.
وأوضحت الصحيفة أن جميع الأخبار السابق ذكرها ليست صادقة، لافتة إلى إظهار ترامب منذ عودته مرة أخرى إلى البيت الأبيض استعداد صارخ لتقديم التحريفات، ونظريات المؤامرة، والأكاذيب البينة لتبرير القرارات السياسية الكبرى.
بحسب الصحيفة، ظل ترامب فترة طويلة متجاهلا الحقيقة خاصة عندما يتفاخر بسجله وهزيمة أعدائه، لافتة إلى استخدامه أسلوب "الحقائق البديلة" في ولايته الأولى والعودة إليه في ولايته الثانية لوضع الأساس للتغيير الجذري لإعادة تشكيل أمريكا والعالم بقوة وعنف.
وتابعت الوكالة أن وكالة التنمية الدولية الأمريكية إذا كانت غبية إلى الحد الذي يجعلها ترسل مواد وقائية إلى جماعة حماس الفلسطينية في غزة، كما يزعم ترامب، فإنها تستحق التفكيك. وإذا كان تجنيد أشخاص غير البيض للعمل في قطاع الطيران يعرض السلامة للخطر، فينبغي إلغاء مثل هذه البرامج. وإذا سيطرت الصين على الممر الاستراتيجي عبر القارة، فيتعين على الولايات المتحدة أن تستعيده. وإذا كانت أوكرانيا هي المعتدية، فيتعين عليها أن تقدم تنازلات لموسكو.
من جانبه، قال أستاذ التاريخ في جامعة برينستون ومحرر كتاب مقالات عن فترة ولاية ترامب الأولى "جوليان إي زيليزر": "إن إحدى أكبر القوى الرئاسية التي استخدمها ترامب هي القدرة على تشكيل روايته الخاصة. لقد رأينا كثيرا كيف يخلق الرئيس ترامب واقعه الخاص لشرعنة أفعاله وفي الوقت نفسه تشويه سمعة التحذيرات بشأن قراراته".
أبرزت الصحيفة نجاح ترامب لسنوات في الترويج للشائعات من خلال نقل حيله العقارية وقصصه من برامج الواقع التليفزيونية إلى السياسة، مبينة أن العالم بالنسبة لترامب هو عالم يكون فيه سيدا لكل التحديات، وأي فشل هو خطأ شخص آخر.
وفقا للصحيفة، ادعى ترامب كثيرا أنه بنى أعظم اقتصاد في التاريخ خلال ولايته الأولى حتى أن بعض منتقديه قبلوا أن ذلك كان أفضل مما كان عليه في الواقع، ورفض تقارير الاستخبارات التي تفيد بأن روسيا تدخلت في انتخابات عام 2016 لصالحه في كثير من الأحيان حتى أن العديد من المؤيدين قبلوا نفيه.
لفتت الصحيفة إلى شن ترامب حملة استمرت أربع سنوات لإقناع الأمريكيين بأنه لم يخسر انتخابات 2020، رغم خسارته لها، حيث أطلق ادعاءات كاذبة حول حدوث تزويرا.
في الوقت نفسه، أعاد ترامب صياغة حقيقة الهجوم على مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021 من قبل أنصاره الذين حاولوا منع انتقال السلطة "هجوم شنيع"، كما وصفه في الأصل، إلى "يوم حب"، كما يسميه الآن. وقد ساعده هذا التفسير المنقح في تبرير العفو عن ما يقرب من 1600 شخص وجهت إليهم اتهامات، بما في ذلك العديد من الذين اعتدوا على ضباط الشرطة بالضرب.
بدورها، رأت روث بن غيات، مؤلفة كتاب "الرجال الأقوياء: موسوليني حتى الوقت الحاضر" والمؤرخة في جامعة نيويورك المتخصصة في الفاشية والاستبداد، أن ترامب راوي ومروج ماهر للغاية، وأنه أحد أكثر الدعاة مهارة في التاريخ.
بينت روث أن ما يجعل كذبة ترامب بشأن انتخابات 2020 مقنعة هو أنه "لم يكن يعمل في دولة الحزب الواحد أو في سياق استبدادي مع وسائل إعلام خاضعة للرقابة، ولكن في مجتمع مفتوح تمامًا مع صحافة حرة".
لكن تعتقد روث وعلماء آخرين أن بعض موضوعات ترامب تشبه تلك التي نراها في الدول الاستبدادية.
وقال بنيامين كارتر هيت، مؤرخ الحرب العالمية الثانية في كلية هانتر: "إن نوع الدعاية والتضليل الذي نراه الآن ليس جديدًا بشكل خاص ولا يعتمد على الإنترنت. لقد حدث نفس النوع من الأشياء بالضبط في الصحافة الألمانية المتنوعة والحيوية للغاية في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين".
وأشارت الصحيفة إلى إدراك مساعدي ترامب منذ فترة طويلة ميله إلى المراوغة، فقاموا إما بتعديل سلوكه أو قطعوا علاقتهم به في نهاية المطاف، إذ قال جون كيلي، رئيس موظفي البيت الأبيض الأطول خدمة له في ولايته الأولى، إن ترامب كان يطلب من مساعديه الصحفيين تكرار شيء اخترعه للتو علنا. وعندما كان كيلي يعترض قائلاً: "لكن هذا ليس صحيحاً"، كان ترامب يرد: "لكنه يبدو جيداً".
كما تذكرت ستيفاني جريشام، التي عملت كسكرتيرة صحفية للبيت الأبيض في الولاية الأولى، أن ترامب كان يخبر مساعديه بأنه "ما داموا يكررون شيئا ما، فلا يهم ما يقولونه". وقد تسرب هذا إلى الموظفين. وكتبت في مذكراتها: "لقد تسرب الخداع العرضي في البيت الأبيض كما لو كان في نظام تكييف الهواء".
أما أنتوني سكاراموتشي، حليف ترامب السابق الذي عمل لفترة وجيزة كمدير اتصالات في البيت الأبيض، قال يوم الجمعة إن ترامب يعتقد أن الكذب ينجح، مضيفا أن الرئيس "يعمل منذ خمسين عامًا في تشويه الأمور ورواية الأكاذيب، وينجح منذ خمسين عامًا في الإفلات من العقاب، فلماذا لا يجعل الأكاذيب أكبر وأكثر تأثيرًا في هذه المرحلة الأخيرة؟"
شددت الصحيفة على أن المبالغات والأكاذيب تخدم غرضا استراتيجيا. ففي حين فاز ترامب بفوز نظيف في نوفمبر، بما في ذلك في التصويت الشعبي، الذي خسره في عام 2016، فإنه في الواقع لم يفز بالأغلبية وكان هامشه البالغ 1.5 نقطة مئوية أحد أدنى الهامش منذ القرن التاسع عشر. لكنه يقول دوما إنه فاز "بانتصار ساحق"، وهو ما لا يخدم فقط لإرضاء غروره ولكن لتأكيد تفويض شعبي كبير لأجندته.
أكدت "نيويورك تايمز" أن ترامب، الذي ينتقد دائما التحقق من صحة الحقائق في وسائل الإعلام خلال حملته الانتخابية في العام الماضي، لا يتراجع أبدا بعد الكشف عن تصريحاته المضللة والأكاذيب، بل إنه يميل بدلاً من ذلك إلى مضاعفة جهوده، وتكرارها حتى بعد أن يتم الإبلاغ عن عدم صحتها.
سلطت الصحيفة الضوء على تكرار ترامب قصة الخمسين مليون دولار المخصصة للواقيات الذكرية لغزة رغم تأكيد المراسلين أنها غير صحيحة، بل وزاد المبلغ الإجمالي المفترض إلى مائة مليون دولار، فضلا عن عدم تراجعه بعد زعمه زوراً أن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قدمت منحاً لمنظمات إعلامية "كمكافأة على خلق قصص جيدة عن الديمقراطيين"، حتى بعد أن علم أن الأموال كانت مخصصة فقط للاشتراكات.
وعلى نحو مماثل، أدلى ترامب بتصريحاته بشأن برامج التنوع والسلامة الجوية في اليوم التالي لاصطدام طائرة ركاب ومروحية عسكرية في واشنطن دون ذرة من الأدلة، ولم يتابع الأمر قط. وفي حين تدير شركة من هونج كونج اثنين من الموانئ الخمسة المجاورة لقناة بنما، فإنه يواصل القول إن الممر يخضع لسيطرة الصين بينما بنما هى من تديره.
ولدعم جهوده لإلغاء الحق الدستوري في الحصول على الجنسية الأمريكية بالولادة، يواصل ترامب القول إن الولايات المتحدة هي "الدولة الوحيدة في العالم التي تفعل هذا"، على الرغم من التقارير المتكررة التي تشير إلى أن أكثر من 30 دولة تفعل ذلك.