الجمعة 19 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
بوابة روز اليوسف

في محراب العلم، حيث تلتقي العقول النيرة، وتتشكل شخصيات الأمم، يُولد بين الفينة والأخرى عالم فذ، ليس فقط بما يحمله من معرفة، ولكن بما يُضفيه على المعرفة من روح، وبما يكسوها من إنسانية، هناك من يُدرّس العلم، وهناك من يُحييه في قلوب طلابه، وهناك قلة نادرة تجعل من العلم رسالة، ومن التدريس ميثاقًا، ومن طلابها أبناءً، ومن العلم شغفًا لا يذبل، في هذه القلة النادرة، يسطع نجم العالم الجليل، والإنسان النبيل، الأستاذ الدكتور سامي السيد، وكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة الأسبق، ورئيس قسم الاقتصاد السابق، وأستاذ الاقتصاد والمالية العامة، ورجل الاقتصاد الذي بسط المعقد، وقرّب البعيد، وسهّل العسير، وترك في كل قلب بصمة، وفي كل عقل أثرًا لا يُمحى.

ليس كل من حمل لقب أستاذ، أضحى أستاذًا حقًا، فكم من حامل للقب يفتقر إلى جوهره، وكم من معلّم يعيش في القلوب قبل أن يسكن المدرجات والقاعات، الدكتور سامي السيد لم يكن مجرد أستاذ اقتصاد، بل كان فيلسوفًا في تبسيط أعقد النظريات، نحاتًا ماهرًا صاغ من الاقتصاد فنًا قريبًا من الأذهان، محوّلًا الاقتصاد الجزئي والكلي إلى معانٍ نابضة بالحياة، تُفهم بالعقل، وتُحس بالقلب، لم يكن الاقتصاد بالنسبة له معادلات صماء، بل كان لغة تُفهم، وحكمة تُتداول، ورسالة تنير الطريق.

إذا كان للتواضع مَعلم، وللخلق الرفيع نموذج، فإن الدكتور سامي السيد خير مثال، رجلٌ جمع بين الهيبة التي تفرض الاحترام، والودّ الذي يجذب القلوب، والتواضع الذي يرفع المقام، لم يكن يومًا متجبرًا بعلمه، ولا متعاليًا بمنصبه، بل كان رجلًا يرى في نفسه خادمًا للعلم، ناصحًا للطلاب، محبًا لمن حوله، كل من اقترب منه وجد فيه روح الأب، ونقاء المعلم، وصدق الناصح، ورقيّ الأستاذ، لم يكن يُلقي علمه كمن يُلقي حمولة، بل كان يغرسه في العقول غرسًا، ويرويه بحبه واهتمامه، حتى يُثمر وعيًا حقيقيًا، لا مجرد معلومات عابرة.

حين وقع الاختيار على الدكتور سامي السيد ليكون أمين لجنة قطاع الاقتصاد  بالمجلس الأعلى للجامعات، لم يكن ذلك مجرد قرار إداري، بل كان شهادة حية بقدره وكفاءته، وإدراكًا عميقًا من أصحاب القرار بأنه الرجل المناسب في المكان المناسب. فمن غيره أعلم باللوائح والقوانين؟ ومن سواه أكثر دراية بخبايا العمل الأكاديمي؟ ومن غيره يملك من الحكمة والخبرة ما يؤهله ليكون القائد المصلح، والمعلم الذي يضع بصمته في مسيرة التعليم العالي؟

تمرّ الأيام، وتتغير الأسماء، وتخبو الأضواء، لكن هناك رجالًا لا يمحى أثرهم، ولا تنطفئ سيرتهم، لأنهم لم يعيشوا لأنفسهم، بل عاشوا للعلم، وللخير، وللأجيال التي تتلمذت على أيديهم، الدكتور سامي السيد واحد من هؤلاء الذين يخلدهم التاريخ، ليس فقط بما قدموه من علم، ولكن بما تركوه من محبة في القلوب، وبما غرسوه من قيم في نفوس طلابهم.

إنه ليس مجرد أستاذ جامعي، بل هو مؤسسة قائمة بذاتها، وعلم يمشي على قدمين، وأب روحي لكثيرين، وعالم لم يُعرف عنه إلا الخير، والتفاني، والبذل دون مقابل، طوبى لمن جعل الله حب الناس من نصيبه، وهنيئًا للجامعة التي أنجبته، وللطلاب الذين تتلمذوا على يديه، وللعلم الذي تشرف بأن حمله هذا الرجل النبيل.

للدكتور سامي السيد، نقولها بقلوب صادقة: شكرًا لك، أيها العالم الجليل، والمربي الفاضل، والأستاذ الملهم، شكرًا لأنك جعلت العلم قريبًا، والنظرية ممكنة، والاقتصاد فنًا يفهمه الجميع، شكرًا لأنك زرعت الأمل في قلوب طلابك، وجعلت من قاعات الدرس واحات علم لا تُنسى، ستظل نموذجًا يُحتذى، وعلمًا يُقتدى، ورمزًا لمن جمع بين العلم والخُلُق، وبين المعرفة والإنسانية.

رحم الله من رحلوا وبقي أثرهم، وبارك في أعمار من لا يزالون ينيرون الدرب للأجيال القادمة.

تم نسخ الرابط