
محمد دياب يكتب: بنت وسجائر في السوبر ماركت

دخلتُ السوبر ماركت كأي مواطن صالح، لا ابتغى ترفاً ولا أتسوق لهوى، إنما أبحث عن الضروريات لا رفاهية في المشوار. قائمة بسيطه: "جبنة بيضا، ارز، بيض، لبن، تونة... وخبز إن وُجد".
لم يكن في بالي سوى الهروب من زحام الأسعار لا زحام الأخلاق
وفجأة... رأيتها!
فتاة في منتصف العشرينات، بملابس رياضية لا تُلائم لا صلاة ولا حياء، تتهادى بثقة زائدة كأن الأرض مفروشة لها لا بها سلتها فارغة، إلا من علبة سجائر، وكأنها لا تشتري، بل تُعلن موقفاً!
وقفت أمام الكاشير وسألت بكل أريحية: "فين "المارلبورو اللايت؟ دي اللي باخدها دايماً".
قالتها كأنها تطلب شيكولاتة، لا دخاناً يحرق النقاء
فتحت حقيبتها الجلدية اللامعة، وأخرجت محفظة لا تقل لمعاناً، ثم سددت بثبات، وانصرفت في هدوء كمن يسير على طريقه عن يقين، حتى وإن كان هذا الطريق يقود إلى الاحتراق!
وقفت في مكاني كالمصعوق، كأن الزمن صفعني على وجهي، وسألت نفسي متى اصبحت السيجارة رمزاً عصرياً في يد فتاة؟
ومنذ متى أصبح الدخان زينة، ونفثه دليلاً على الحرية؟ وهل نحن أمام جيل يرى أن "نفخة" سجائر أبلغ من كل القيم التي تربّينا عليها؟
زمان، كنا نغلق النوافذ حياءً من رائحة الدخان إذا مرّت من الشارع، واليوم نغلق الضمائر حتى لا نخجل من الدخان وهو يتسلل من بين أصابع بناتنا.. البنت التي كانت تُربّى على أن خفض الصوت فضيلة، أصبحت ترفع صوتها بالدخان قبل الكلام.
والتي كانت تُنشّأ على أن الستر زينة، باتت ترى في التجرؤ على الأعراف بطولة، وفي التمرد على الحياء حرية، وفي السيجارة علامة نضج، وفي نفثها تحدياً للعالم!
أيّ تربية تلك التي تُثمر فى يد البنت سيجارة وفى فمها نفخه تمردت على كل ماكان يُسمى حياء ؟ أيّ بيت هذا الذي لا يسأل: "اين كنتي؟ وبتشربي إيه؟ وليه؟
عدت إلى بيتي دون تونة ولا ارز. فقدت شهيتي... لا على الطعام، بل على الدنيا كلها.
حنينى لزمنٍ كانت فيه البنات يتوارين من ضوء الشمس، لا يخرجن بدخانٍ يتصاعد من شفاههنّ كأنهنّ يُشعلن النار في حيائنا العام.
ليتنا اكتفينا بارتفاع الأسعار… لكن المصيبة الكبرى أن القيم تساقطت أرخص من أى سلعة.