
مكتسبات حقوق الإنسان فى ضوء ثورة 30 يونيو

طارق رضوان
جاءت ثورة 30 يونيو 2013 بمثابة لحظة فاصلة فى التاريخ السياسى والاجتماعى المصري، حين خرج الملايين من المواطنين إلى الشوارع والميادين مطالبين بإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين، التي وُصفت سياساتها بالإقصائية واللا ديمقراطية، وتكريسها لفكرة “التمكين” على حساب مؤسسات الدولة. ومنذ تلك اللحظة، بدأت الدولة المصرية مرحلة جديدة من إعادة بناء مؤسساتها، وتثبيت أركان النظام الجمهورى المدنى، وتوسيع هامش الحريات، وترسيخ مبادئ المواطنة. وفى هذا السياق، شهد ملف حقوق الإنسان فى مصر تحولات كبيرة ومكتسبات ملموسة، سواء على صعيد الحقوق السياسية، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو الثقافية، وحتى فى مجال العدالة الجنائية والإصلاح القانونى.
أولًا: الحقوق السياسية والمواطنة
من أبرز مكتسبات مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو، تأكيد الدولة على مبدأ المواطنة، ورفض التمييز على أساس الدين أو النوع أو الانتماء السياسي. فقد تم إقرار دستور 2014 الذي جاء أكثر انفتاحًا على حقوق الإنسان من سابقه، حيث تضمن أكثر من 50 مادة تضمن الحريات العامة والفردية، من حرية الرأى والتعبير، وحرية الإعلام، وحق التظاهر، وتكافؤ الفرص، وحرية العقيدة، وحرية تكوين الجمعيات والنقابات والأحزاب.
كما أُجريت عدة استحقاقات انتخابية فى أعقاب الثورة، بدءًا من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كذلك، شهدت الحياة الحزبية نوعًا من الانفتاح والتنوع.
ثانيًا: الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
على صعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، جاءت الثورة بمطلب أساسى يتمثل فى العدالة الاجتماعية، وهو ما عملت الدولة على تحقيقه عبر سلسلة من برامج الحماية الاجتماعية، التي هدفت إلى رفع المعاناة عن الفئات الأكثر احتياجًا. ومن أبرز هذه البرامج: - برنامج “تكافل وكرامة” الذي يستهدف الأسر الفقيرة وكبار السن وذوى الإعاقة .
- مبادرة «حياة كريمة» التي تُعد من أكبر المشروعات التنموية فى تاريخ مصر، وتهدف إلى تطوير الريف المصري وتحسين مستوى المعيشة والخدمات لما يقرب من 60 مليون مواطن.
- التوسع فى برامج الإسكان الاجتماعى، وبناء ملايين الوحدات السكنية للفئات محدودة ومتوسطة الدخل.
- إنشاء وتطوير المدارس والمستشفيات فى المناطق المهمشة، والارتقاء بجودة التعليم والصحة باعتبارهما حقين أساسيين.
- التوسع فى إعادة بناء البنية الأساسية وزيادة شبكة الطرق .
هذه السياسات عكست التزام الدولة بضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية كجزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان الشاملة.
ثالثًا: تمكين المرأة والشباب
أحد أبرز إنجازات الدولة المصرية فى السنوات التي أعقبت 30 يونيو هو التقدم الملحوظ فى ملف تمكين المرأة والشباب، سياسيًا واقتصاديًا ومجتمعيًا، فقد شهدت مصر:
- تعيين أول مستشارة لرئيس الجمهورية لشؤون الأمن القومى.
- وصول المرأة إلى مناصب قيادية فى القضاء والنيابة العامة، وفى الحكومة والبرلمان.
- تخصيص نسبة نسائية فى مجلس النواب بنسبة لا تقل عن 25%.
أما الشباب، فقد حظوا بتمثيل واسع فى المجالس النيابية، والمناصب التنفيذية، ومبادرات التدريب والتأهيل.
رابعًا: العدالة الجنائية والإصلاح التشريعي
فى مجال العدالة، اتخذت الدولة خطوات مهمة نحو إصلاح المنظومة القضائية والتشريعية بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومن بين هذه الخطوات:
- تطوير البنية التحتية للمحاكم والسجون، وإنشاء مراكز إصلاح وتأهيل حديثة وفقًا للمعايير الحقوقية.
- مراجعة بعض القوانين المثيرة للجدل، مثل قانون التظاهر، وقانون الجمعيات الأهلية.
- إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسى، التي عملت على دراسة ملفات المحبوسين احتياطيًا والمطالبة بإطلاق سراح الشباب غير المتورطين فى أعمال عنف.
- قانون الأجراءات الجنائية الجديد جاء كنتيجة تسلسل التعديلات الدستورية التي أُدخلت على دستور ٢٠١٤. هذه التعديلات التي تطلبت إعادة النظر فى العديد من القوانين لا سيما قانون الإجراءات الجنائية بحسبانه أداة تنفيذ قانون العقوبات وبما يكفل التوافق مع النصوص الدستورية وبما يتصل اتصالًا وثيقًا بحماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين.
خامسًا: تعزيز دور مؤسسات حقوق الإنسان
عقب ثورة 30 يونيو، تولت المجالس والهيئات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان دورًا أكثر فاعلية فى الرقابة والتقارير والمتابعة، وعلى رأسها:
- المجلس القومى لحقوق الإنسان، الذي تم تشكيله بتوازن سياسى وتمثيل مجتمعى يضمن استقلاليته، كما تم منحه صلاحيات موسعة.
- تفعيل آلية الاستعراض الدوري الشامل بالتعاون مع الأمم المتحدة، حيث قدمت مصر تقاريرها فى مواعيدها، وشاركت بفعالية فى جلسات المراجعة.
كما حرصت الدولة على الانفتاح على الحوار الحقوقى الدولى، واستضافة الفعاليات الدولية، والتأكيد على احترامها لالتزاماتها الدولية بموجب الاتفاقيات التي صدّقت عليها.
سادسًا: مكافحة التطرف والإرهاب كحق أساسى فى الأمن
من الحقائق التي لا يمكن إنكارها أن الإرهاب يُعد أحد أكبر أعداء حقوق الإنسان. ومن هنا، اعتبرت الدولة المصرية أن مكافحة الإرهاب والتطرف جزء أصيل من منظومة حماية حقوق الإنسان، إذ لا يمكن الحديث عن حرية أو تنمية أو تعليم فى بيئة يسودها العنف والتكفير.
وقد خاضت الدولة معارك شرسة للقضاء على الإرهاب، بالتوازى مع إعادة إعمار تلك المناطق ودمجها فى عملية التنمية، ما أدى إلى استعادة الأمن والاستقرار، وهو شرط لازم لممارسة الحقوق والحريات.
ختامًا
يمكن القول إن ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد تغيير سياسى، بل شكلت إعادة صياغة للمجتمع المصري على أسس مدنية، ديمقراطية، وإنسانية. فخلال العقد الماضى، شهدت مصر تطورًا حقيقيًا فى ملف حقوق الإنسان، رغم التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية المحيطة بها. وبفضل الإرادة السياسية، والمشاركة المجتمعية، والتفاعل الإيجابى مع المؤسسات الدولية، أصبح من الممكن القول إن مصر اليوم تخطو خطوات ثابتة نحو بناء دولة قانون ومؤسسات تحترم حقوق الإنسان وتصون كرامة المواطن.
رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب