عاجل
الأربعاء 10 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
مراجعة كتاب.. الإسلام وأصول الحكم!

كتب ممنوعة 2

مراجعة كتاب.. الإسلام وأصول الحكم!

فى كتاب «الإسلام وأصول الحكم»، وضح مؤلفه الشيخ على عبدالرازق قناعاته بأن: «الإسلام دين فقط لا علاقة له بالدولة، ولا علاقة له فى جوهره بالدولة والسياسة، وأن النبى كان رسولًا لدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها سلطة أو رغبة فى تأسيس حكومة، وكل ما شرعه الإسلام غير كاف لما يلزم الدولة المدنية من أصول سياسية وقوانين، وكل ما شرعه دينى خالص لمصلحة البشر الدينية لا غير».



بمراجعة الكتاب، نجد أن أفكار على عبدالرازق يناقضها تاريخ سيرة النبى عليه الصلاة والسلام، والذي أقام دولة الإسلام على أسس القرآن الكريم والشورى العامة وشورى أهل الاختصاص والخبرة، ولذلك بدأ النبى بإصدار وثيقة المدينة لوضع القوانين اللازمة لضمان الحرية والعدل والمساواة، كما وجب متابعة تطبيق القوانين حتى يحترمها الناس ويعملون بها.

لقد بدأت التجربة السياسية للنبى عليه الصلاة والسلام بفكرة الدولة الدستورية القائمة على وثيقة المدينة، والتي ناسبت الواقع بما يحمل من مشاكل سياسية واجتماعية من أجل إيجاد الحلول وفق مفاهيم القرآن الكريم ومقاصده، وقد جمعت الوثيقة للنبى عليه الصلاة والسلام السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

ومن خلال التجربة النبوية تحول المجتمع البدوى من التشتت والتخلف إلى الاجتماع والمدنية، ومن ذلك قيام النبى عليه الصلاة والسلام بتسمية يثرب بالمدينة كبداية لقيام الدولة المدنية والمجتمع المدنى، بدلًا من حكم البداوة القائم على القبلية والعصبية.

فى تجربة النبى السياسية فى المدينة كان الحكم يميل إلى مبدأ الفصل بين السلطات فصلًا مرنًا، مما يتيح الفرصة للتعاون والتداخل والمراقبة فيما بينهم، دون الميل إلى مبدأ الفصل الجامد والمطلق الذي يقود إلى مخاطر جمع السلطة عند فرد واحد.

ولما بدأت تتسع دولة المدينة رأى النبى عليه الصلاة والسلام أن يختار من الرجال الأمناء الأكفاء لتغطية هذا الاتساع الدينى والسياسى فى المنطقة، وقد كان اختياره لهؤلاء الرجال من خلال الشخص المناسب فى المكان المناسب، حيث كان النبى عليه الصلاة والسلام يدرك قدرات أصحابه وكان يختار من يمثله، وكان يعين الوالى على الولاية ليرعى الشؤون السياسية ويرسل معه قاضيًا يقيم السلطة التشريعية، ومثال ذلك عندما أرسل أبى موسى الأشعرى ومعاذ إلى اليمن.

أما عن الشورى فى الإسلام فقد وردت فى القرآن الكريم فى ثلاثة مجالات، فى المجال الأسرى: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ) البقرة 233، والاجتماعى: (وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ) آل عمران 159، والسياسى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) الشورى 38، وقد جاء ذكر الشورى بين الصلاة والزكاة لبيان أهميتها، بأن تكون سمة من سمات التطور بالنسبة للفرد والمجتمع، ولهذا جاءت اسم لسورة من سور القرآن الكريم وهى سورة الشورى.

والشورى ضرورية لممارسة ولاية الأمر لكل ما يتعلق بالحكم والسياسة والتشريع، قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ)، لقد خضع الجانب التنفيذى للشورى للتطور بحيث أعطى إمكانيات لم تكن متوفرة من قبل، والشورى طبقها النبى عليه الصلاة والسلام، كما فى قوله تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ)، وهذا هو الجانب التنفيذى للشورى المتاح فى ذلك الوقت، متمثلًا فى الحوار مع رؤساء القبائل وكبار القادة، فمفهوم الانتخاب والاستفتاء لم يكن معروفًا وقتها.

ولذلك فالمجتمع الإسلامى هو مجتمع مدنى فيه حرية التعبير عن الرأى والرأى الآخر والتعددية الحزبية، وتقوم الدولة فيه على الانتخابات بمستوياتها المختلفة، وكذلك مبدأ تداول السلطة والمساءلة والمعارضة، وأن مفهوم أهل الحل والعقد، وإجماع الجمهور وغيرها من الموروثات، ليس لها إلا قيمة تاريخية لا تفيد فى بناء دولة معاصرة، لأنها قامت على ظروف تاريخية مختلفة عن الظروف الحالية، ومن خلال ثقافة وأدوات معرفية تختلف عن ثقافتنا وأدواتنا المعرفية.

كما أن الإسلام بقيمه الأخلاقية غير قابل للتسييس، والمجتمع الإسلامى هو مجتمع مدنى فيه حرية التعبير عن الرأى والمعارضة، ودولته مدنية تقوم على تداول السلطة ومحاسبة المسؤولين، وتستمد شرعيتها من ميثاق دستورى، وهى دولة لها قيم أخلاقية فلا يجوز تحت شعار فصل الدين عن الدولة أن يسود الغش والرشوة والفساد.

والقول بأسلمة السياسة يعنى السماح بقيام أحزاب سياسية ذات خلفية دينية يمكنها أن تخدع الناس فى الانتخابات باسم الدين لخدمة أغراضها، بينما يرى البعض أن فصل الدين عن السياسة أمر ضرورى لتحقيق الدولة المدنية الديمقراطية.

ولذلك لا يجوز تحت شعار فصل قيم الإسلام عن الدولة أن يسود الغش والقتل والرشوة والسرقة والمحسوبية وشهادة الزور وضياع حقوق الناس، لأن القيم الأخلاقية أمر لا بد منه لكل مجتمع يريد أن ينتظم، فالأخلاق أساس لتكوين الأمم والأفراد، يؤكد ذلك قول النبى عليه الصلاة والسلام: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».

نقلًا عن مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز