عاجل
الثلاثاء 16 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مختارات من الاصدارات
البنك الاهلي
رسالة من مواطن مصرى إلى شعب إثيوبيا وحكومتها!‏
بقلم
نبيل عمر

رسالة من مواطن مصرى إلى شعب إثيوبيا وحكومتها!‏

نعم الرسالة إلى شعب إثيوبيا أولا قبل حكومتها، فالشعب هو الجذر الضارب فى الأرض والحكومة مجرد ‏فرع يمكن أن ينثنى أو ينكسر أو يعطن ويسقط، ويحل محله فرع آخر، والأهم أن الشعب صاحب ‏المصلحة الأولى فى بلده، وأحب أن أقول لكم إن شعب مصر، وهنا لا أتحدث باسمه ولا أستطيع، ولكن لأنى ‏من ناسه البسطاء الذين رأوا نور الحياة فى قراه وعلى ضفاف نهر النيل العظيم، أشعر بهم وأعرف كيف ‏يفكرون، وأقول لكم إن المصريين يتمنون الخير لجميع أبناء قارتهم السمراء الجميلة، وقطعا هم يسعدون ‏لأى دولة أفريقية تحاول أن تنهض وتنمو وتتوسع فى مشروعاتها الخاصة، لكن إذا كانت هذه المشروعات ‏تتعلق بحياة جيران آخرين، لا منطق أبدا فى أن تفعلها دون أن تتشاور مع هؤلاء الجيران!‏



وحكوماتكم أخذت قرار سد النهضة، الذي لا نعترض على فكرته وأهميته لكم، لكن نعترض على الأسلوب ‏الذي بُنى به بقرار منفرد على النيل الأزرق، وبعده طريقة الملء، والآن إدارة مياهه دون التنسيق ‏مع دول المصب: مصر والسودان، والتنسيق والتوافق والتعاون لا يمس مطلقا السيادة الإثيوبية على سدها ‏ولا يعوق إنتاج الكهرباء منه، لكنه ينظم حقوق دول الجوار فى حصص المياه التي هى «نبع» الحياة لما ‏يقرب من 160 مليون إنسان مصري وسودانى، إلى جانب الزرع والحيوان والعمران عموما.‏

ورسالتي إليكم سببها أن حكومتكم لم تستوعب اللياقة السياسية التي تعاملت بها مصر مع الأزمة وصبرها ‏الطويل، ولم تقدر تصرفها اللائق المحترم وأنتم تبنون السد بقرار فردى دون أى اعتبار لجيرانكم دولتى ‏المصب، ونعرف أن حكومتكم كانت مأخوذة بأسباب سياسية وتضرب بعلاقاتها مع شركائها فى ‏النهر عرض الحائط، حتى تحشدكم وتوحد بينكم وتخفف من النزاعات العرقية المسلحة التي نشبت فى ‏بلادكم، خاصة فى منطقتى أوروميا وأمهرة، وراح ضحيتها ما يقرب من 600 ألف قتيل، حسب تقديرات ‏الاتحاد الأفريقى وهو رقم كبير، كنا نتمنى أن تتجنبوه.‏

لكن أن يكون سعى حكومتكم إلى حشدكم خلفها، على حساب زراعة «نزاعات» مع دولتى المصب، فهذا ‏خطأ فادح، فقد تتفاقم هذه النزاعات وتتراكم وتتوسع وتصنع أزمة مستعرة غير مأمونة العواقب، على الأقل ‏قد تشغلكم كثيرا وتهدر طاقاتكم فى حساباتها والتعامل معها، مما يعوق أهداف التنمية والنهضة التي ‏يعدونكم بها!‏

ومصر بذلت مع حكوماتكم كل سبل التفاهم والتفاوض، لأنها دولة سلام وتعاون، ولجأت إلى وساطات دولية ‏وهيئات كبرى، لكن حكوماتكم أدارت ظهرها وأصمت أذنيها وأغلقت عينيها، مستقوية بدول أجنبية، مشغولة ‏بنشر القلاقل والاضطربات فى القارة، وهى دول تتاجر فى الحروب والسطو على الثروات الطبيعية ‏والمواد الخام، وبتاريخها ومؤامراتها لا يمكن الاطمئنان إليها، فهى تتقلب فى مواقفها بين فترة وأخرى ‏حسب مصالحها، حتى لو كانت ساعدتكم فى وساطات ومفاوضات مالية وفنية مع وكالات وهيئات دولية لبناء ‏السد.‏

ولو راجعتم قائمة من حضروا حفل افتتاح السد، لراعكم غياب عدد كبير من الدول المؤثرة الكبيرة فى ‏القارة الأفريقية، وليس هذا تقليلا بأى حال من الدول التي جاءت، لكنها دلالة على أن دولا أفريقية كثيرة تتحفظ ‏على الطريقة التي بُنى بها السد بقرار منفرد، لأن القارة فيها عدد غير قليل من الأنهار التي تتشارك فيه ‏الدول، ولا تحبذ دول القارة أن تحذو حذوكم دولة أخرى، بل إن فكرتكم وطريقة تنفيذها تهدد عشرات الدول ‏فى العالم أجمع، مثل الدول التي يمر بها نهر الدانوب فى أوروبا أو نهر الأمازون بأمريكا اللاتينية أو نهر ‏الميكونج فى آسيا.‏

نعم حكومتكم تصرفت بطريقة إذا اتبعتها دول المنبع فى الأنهار الدولية الكبرى سيتحول العالم كله إلى ‏ساحة قتال شرس فى بضع سنوات قليلة!‏

من هنا أرسلت مصر خطابا إلى مجلس الأمن، وأصدرت وزارة خارجيتها بيانا حاد الألفاظ، تصف فيه ما ‏حدث، وأنها ما زالت على موقفها فى رفض كل الإجراءات الأحادية التي بنت بها الحكومة الإثيوبية السد ‏وتصر على أن تعمل بها، وأن مصر تحتفظ بحقها فى اتخاذ كافة التدابير التي يكفلها القانون الدولى وميثاق الأمم ‏المتحدة للدفاع عن المصالح الوجودية لشعبها.‏

وهذا ليس تهديدا كما حاول البعض تفسيره، فمصر ليس من عادتها أن تهدد أو تتوعد أو تنذر، وإنما هى ‏توضح وتفسر وتنصح، فالمصريون طوال تاريخهم شعب محب للسلام والخير، تعلموا ذلك من طبيعة ‏الأرض المنبسطة التي عاشوا عليها من قديم الزمان، ومن عطاء النهر العظيم الذي أمدهم بالحياة، فعشقوه ‏وكتبوا فيه الملاحم والقصائد كما لم يكتب شعب فى نهر.‏

ورسالة مصر إلى مجلس الأمن هى دعوة لاستدعاء المجتمع الدولى أن يكون شاهدا على عدوان واضح ‏على شركاء النهر فى مصبه، وأن يكون شريكا فى البحث عن سبل رفع هذا العدوان، خاصة أن المياه ‏ليست كأى عنصر من عناصر الثروات الطبيعية، فهى فاصلة بين الحياة والموت، الاستمرار والفناء، ولا ‏يوجد ما هو أغلى منها إلا الهواء وهو مشاع لا يمكن السيطرة عليه، وأى نقص فى المياه هو تهديد ‏مباشر وحاد لحياة البشر.‏

وفى حالة تعرض دولة يتجاوز عدد سكانها مائة مليون نسمة للعطش وتهديد المحاصيل، فمن المؤكد أن ‏الاستقرار سيغيب عن المنطقة التي تعيش فيها هذه الدولة، وسوف يمتد بالضرورة إلى دول تبعد عنها آلاف ‏الكيلومترات، فماذا يحدث لو أن هذه الدولة فى قلب العالم؟

قطعا لن يتحمل العالم وضعا كهذا، لأن الثمن سيدفعه الجميع، ويبدو أن حسابات حكومتكم الخاطئة فى ‏التعامل مع مصر، مرجعها سعة صدر مصر، فتصورته ضعفا وعدم قدرة، ومصر ليست ضعيفة مطلقا ‏وقادرة إلى أقصى حد للدفاع عن وجودها، وأن صبرها على التصرفات الأحادية السيئة هو سمة فى ‏شخصيتها وفهمها التاريخى لمعنى الجوار والتعاون والبناء.‏

ويؤسفنى أن أقول لكم إن حكومتكم فى خطابها عن السد الذي لعب على أوتار التعصب العرقى والعنجهية ‏القومية نسى مصالح الشعب الإثيوبى، لأن التنمية الحقة تقترن بالتعاون لا بالتحدى، بالمشاركة لا ‏بالخصومة، وتدوم باتفاقات وتفاهمات عميقة، أما دفع الأطراف المتشاطئة فى النهر إلى مربع التهديد ‏الوجودى، فهو نوع من السباحة فى الرمال الناعمة، وأسألكم وأسال حكومتكم: كيف يتصرف هؤلاء ‏المهددون فى حياتهم لو فعلا جاء الخطر ذات يوم بنقص فى إيراد النهر وحجزت بلادكم المياه خلف السد ‏حسبما ترى؟، هل يموت المهددون عطشا أم ينتفضون دفاعا عن حياتهم؟

الإجابة بسيطة، وجاءت من جانبكم، فكل كلام مسؤوليكم والكثير منكم يأتى عنيفا وغليظا، بحجة أن السد ‏ضرورة لتحسين معيشة مواطنيكم، فكيف يكون رد فعل أهل مصر إزاء تعرضهم لخطر جفاف رهيب قد ‏يساهم فيها السد بقسط كبير؟!‏

هل عملت حساباتكم واضعين فيها كل هذه الاحتمالات؟

كيف تفسر مصر تصريح «كيفلى هورو» مدير مشروع سد النهضة الذي قال فى حوار صحفى مع مجلة ‏‏«أديس ستاندرد» إن السودان ومصر كان عليهما أن يُغطيا معا 50 % من تكاليف بناء السد بنسبة 30 ‏و20 على الترتيب؟

 هل تحولون السد إلى بنك استثمارى؟!‏

رسالة مصر إلى مجلس الأمن هى دعوة إلى الحسابات الصحيحة، التي يكسب فيها الجميع، وتدعوكم إلى ‏هجر الحسابات الخاطئة التي كلها مخاطر على الجميع!‏

 

نقلًا عن مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز