

محمد عبد الرحمن
"دعاية" تقتل صاحبها
"الدبة التي قتلت صاحبها".. حكاية شعبية أسطورية تقول إن رجلًا كان يعيش وحيدًا مع "دبة أليفة" تعلقت جدًا بصاحبها لدرجة أنها انزعجت من ذبابة حامت حول وجهه وهو نائم وخافت أن يستيقظ فأحضرت حجرًا لتقتل به الذبابة فقتلت صاحبها ونجت الذبابة.
نفس ما سبق يحدث كل فترة في سوق الإنتاج الفني في مصر خصوصًا مضمار المسلسلات سواء المعروضة على الشاشات أو المنصات، أو المشاركة في سباق رمضان أو تلك التي تتنافس خارجه، حيث تتحول بعض "الحملات الدعائية" إلى "دبة تقتل صاحبها"، الذي قد يكون هنا بطل المسلسل، أو مخرجه أو منتجه وفي أحيان كثيرة جميع ما سبق مع اختلاف نسبة التضرر، حسب الأساس الذي انطلقت منه تلك الحملات التي تتحول سريعًا إلى "نيران صديقة" تضر أكثر مما تنفع.
القاعدة الأساسية عند وضع أي حملة دعائية أن تناسب الدعاية حجم الجهد المبذول في المنتج، لا مانع طبعًا من بعض المبالغات، ولا مناص من التركيز على الإيجابيات وتفادي السلبيات الموجودة في العمل لعل وعسى لا يلحظها الجمهور، وللعلم فإن أي عمل فني أيًا كان مستواه به سلبيات، حتى الأعمال الكلاسيكية التي دخلت التاريخ، لكن عندما تكون السلبيات أكثر من الإيجابيات هنا على فريق الدعاية أن يحسب المقادير جيدًا لأن أي مبالغة تأتي عادة بالعكس، خصوصا تلك المرتبطة بتوسيع قاعدة المشاهدة لأن لدينا في السوق المصري دوائر من الجمهور.
الدائرة الأولى هي التي تضم هواة المسلسلات أيًا كان مستواها، هؤلاء يتابعون من أجل المتابعة وهم من تستهدفهم الجولة الأولى من الحملة الدعائية، ومعظمهم يشاهد ولا يعلق على منصات التواصل وهؤلاء يرون الأعمال عادة بعين المحب ويعتبرون السلبيات "هفوات" وينتظرون انتهاء العمل من أجل مشاهدة ما يليه.
الدائرة الثالثة تضم المشاهدين شديدي التخصص، النخبة التي لا تشاهد الأعمال إلا بعد دراسة مسبقة لأسماء صانعيها، لا يحتاجون لحملات دعائية من أجل جذب انتباههم، بالتالي عادة هم غير مستهدفين من صناع حملات الدعائية على السوشيال ميديا.
المشكلة تبدأ عند الاقتراب من الدائرة الثانية، وهي التي تضم محبين لمشاهدة المسلسلات لكنهم يأخذون القرار بناء على الترويج المنتشر لكل عمل، هنا يكمن دور "الدبة"، التي تعلم أن العمل متوسط وأن ما يبدو من الدعاية ليس كما سيراه المتفرج بالفعل، ومع ذلك يتم التوسع واستخدام مبالغات لا حصر لها، ووصف الأبطال بالخطيرين، والديكور بالمبهر، والدراما بالمشوقة، فيذهب جمهور الدائرة الثانية للتأكد من كل هذا فيفاجأ بصدمة تتحول إلى تعليقات سلبية كان من الممكن تفاديها لو تم الاكتفاء بالجمهور الذي اعتاد "بلع الزلط" لصناع الدراما خصوصًا خارج رمضان.
باختصار شديد.. يطمع أحدهم فيما هو أعلى من المرجو، سواء من أجل "تنجيم" ممثلة صاعدة، أو تثبيت أقدام مخرج جديد، وربما الدفع باسم المنتج ليكون بين الكبار، ويعتقد أنه بمزيد من الدعاية سيزيد عدد المشاهدين ويدعي أن العمل حقق ملايين المتابعات فيحدث العكس، فيخرج الجمهور ساخطًا ساخرًا متحولًا إلى "الحجر" الذي ضربت به "الدبة" وجه صاحبها.