عاجل
الأربعاء 19 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
شكوى 713317.. الحب عبر الثلاجة

شكوى 713317.. الحب عبر الثلاجة

الفيلم روائي طويل حسب تصنيف مهرجان القاهرة السينمائي، لكن مدته لا تزيد على 80 دقيقة، مدة غير معتادة لجمهور السينما، الأمر الذي سيعتبره بعض المشاهدين في العرض التجاري أقل من قيمة التذكرة، نعم هناك من يقيمون الأفلام بهذه الطريقة، الفيلم قد يكون طويلا حتى الملل لكنه على الأقل – بالنسبة لهم – يوازي ما دفعوه، لكن المخرج ياسر شفيعي في أول تجاربه السينمائية الطويلة لم يضع ذلك في الاعتبار، فضل أن يحكي حكايته في المدة الزمنية التي تناسب الحبكة التي كتبها بنفسه ليقدم لنا في النهاية فيلمًا يستحق المشاهدة بعيدًا عن اسمه المربك "شكوى رقم 713317"، ومدته الزمنية التي تصنفه بالأطول من القصير والأقصر من الطويل.



 

قبل أن ندخل معًا منزل "مجدي وسما" الذي دارت فيه كل الأحداث، دعونا نتفق على أن نكتفي بـ"شكوى" اسمًا للفيلم فيما هو قادم من فقرات، الفيلم الذي لم يحظ بدعاية كافية قبل عرضه في المسرح الكبير، والذي صُنف بغرابة شديدة ضمن المسابقة العربية لا الدولية، تجربة جادة صادقة تستحق المشاهدة بعيدًا عن كل التحفظات التي بدأت بها هذا المقال.

 

من ينظرون للحياة بسطحية، سيعتبرونه فيلمًا عن مشكلة رجل على المعاش وزوجته مع شركة الصيانة التي تنصب أكثر مما تصون، هذا هو الملخص الذي يمكن قراءته تجنبًا لحرق الفيلم، نعم كل ما في الأمر أن "ثلاجة" قديمة في منزل أقدم يجمع زوجين فوق الستين أصابها عطل استدعى التعامل مع شركات الصيانة وصولًا لجهاز حماية المستهلك، لكن شفيعي بالتأكيد اعتبر "الثلاجة" نقطة انطلاق ليحكي عن بشر من طبقة متوسطة داهمتهم الأزمات الأخيرة خصوصًا الاقتصادية منها فحرمتهم من حياة مستقرة بعد المعاش ومن رعاية الابن الذي تعامل مع "الشيخ زايد"، باعتبارها دولة أخرى من الصعب أن يغادرها كل فترة ليزور الأبوين في المعادي!

 

استخدم المخرج والمؤلف ياسر شفيعي كل الأدوات الفنية الممكنة ليحكي أكثر من قصة في مكان واحد، كل مشاهد "شكوى" دارت في الشقة، ما يجعله نموذجًا جديدًا لأفلام "الموقع الوحيد"، نموذج نجح من خلاله شفيعي في أن يحكي قصة البطلين الرئيسيين مع أبطال آخرين دون أن نشعر لا بالملل أو بالإقحام، حيث "مجدي" يعاني من شعور دائم بالمرارة، يعوضه بتناول الآيس كريم، وبالتصدي لحل المشكلات دون إخبار زوجته هربًا من الظهور كشخص ضعيف أمامها، يعاني من مشاكل في الظهر، بينما من المفترض أن يكون هو "السند" فيما يتطلع دون جدوى لعودة الابن للقيام بدوره المفقود.

 

"سما" الأصغر عمرًا بسنوات قليلة، تحاول مقاومة شعور الخروج إلى المعاش، لكنها تسقط في فخ مجاملة صديقة لا نعرف هل تحسدهم أم تساعدهم وتورطها في مشروع لم يكن ليبدأ لو أن العلاقة بين الزوجين صحية لدرجة تسمح لمجدي بأن يصارحها بمستوى طبيخها الذي لا يؤهلها لدخول مشروع الوجبات المنزلية.

 

الجارة "زيزي" تعمل في السياحة، تخلع زوجها الشكاك "عزيز" فيما الأطفال تائهون بينهما، كناية عن جيل جديد من الأسر المصرية مشكلاته أكبر من مشكلات "مجدي "و"سما "المفتقدين لوجود الابن والعاجزين عن ممارسة حياتهما بشكل طبيعي، حتى جاء مهندس الصيانة الذي يعاني من حالة نفسية لكنه اكتشف سريعا أن "الحب"غائب بين الزوجين وأن الأزمة لم تكن أبدًا في "الثلاجة".

كون شفيعي مع مدير التصوير كريم فؤاد والمونتير عماد ماهر، ثلاثي متفاهم نجح في نقل الحالة بانسيابية واضحة على الشاشة من خلال زوايا تصوير تناسب كل مشهد، وأحجام لقطات جاءت معظمها متوسطة "ميديام"، لنضمن التعرف عن قرب على مشاعر الأبطال والتعايش معهم وكأننا في المطبخ، حيث معظم الأحداث، مع نقلات المونتاج السلسة التي أسهمت في إيقاع منضبط خال من الملل ومن أي لقطة قد تصنف بأنها زائدة، مع موسيقى معبرة كالعادة لخالد الكمار، وديكور نورا فوزي وملابس دينا نديم أكملا الحالة الفنية التي أراد شفيعي التعبير عنها.

 

أكثر ما يحسب للمخرج الصاعد فهو إقناعه لكل هؤلاء المحترفين بالمشاركة وتقديم كل منهم دورًا مغايرًا لما قدمه من قبل، محمود حميدة كالعادة بات الخيار الأول لهذه النوعية من الأفلام وربما لولا شغفه بالسينما وحماسه لهكذا مشروعات لتوقف الكثير منها لعدم وجود بديل، شيرين التي استهلكتها المسلسلات التليفزيونية كثيرا عادت بكامل لياقتها، الزوجان الشابان هنا شيحة وتامر نبيل عكسا خلافاتهما العميقة التي لا نعرف الكثير عن جذورها من خلال تفاصيل شخصية الزوجة المادية من جهة، والأزمة النفسية للزوج المهزوم التي قدمها نبيل ببراعة في إطلالاته المحدودة، فيما تألق محمد رضوان في شخصية مهندس الصيانة الذي يقدم للعملاء قصصًا وهمية من أجل فتح مجالات لحوار يواجه به وحدته الشخصية، وعلى نفس الخط قدم كل من حنان يوسف وجهاد حسام الدين وأحمد عبد الحميد ومحمد عبده المطلوب منهم بكفاءة واضحة، حتى الطفلين الذين عكسا مادية المرحلة في كل لقطة دربهما شفيعي بعناية رغم أنهما في معظم الأوقات كانا في خلفية الأحداث، فيما "حبة كريز" التجربة كالعادة الفنانة الكبيرة إنعام سالوسة التي منحت الأحداث روحًا خاصة من خلال صوتها فقط، بالتالي كان متوقعًا أن يتهلل المتفرجون فرحًا عندما شاهدوها على الشاشة، رغم أنها كانت أحد أسباب التصعيد الذي اضطر له المهندس مجدي صاحب الشكوى رقم 713377.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز