"حالة".. أول فريق دمج موسيقي لذوي الهمم يحول الاختلاف إلى فن

في قلب القاهرة، وبين أروقة الفنون وممرات الإرادة، ينبض الإيقاع بصوت مختلف، صوت لم تصنعه فقط أنامل بارعة، بل إرادة حقيقية لتجاوز الحواجز، وتحقيق الدمج المجتمعي من خلال الفن. هذه ليست مجرد فرقة موسيقية، بل رسالة. إنها "فرقة حالة" – أول فريق دمج بين ذوي الهمم وأقرانهم في العزف الجماعي، ليس في مصر فقط، بل على مستوى العالم العربي.

 

فكرة ولدت من الإيمان بالاختلاف تقول هبة فتوح، مؤسسة الفرقة ورئيسة مجلس إدارة مؤسسة "براعم جنتي" لرعاية الفئات الخاصة: "منذ البداية، كانت الفكرة أكبر من مجرد تدريب موسيقي. كنا نبحث عن طريقة لدمج الأطفال ذوي الهمم مع أقرانهم الطبيعيين في تجربة فنية حقيقية تعزز الثقة، وتكسر النظرة النمطية. وجدنا في الفن لغة عالمية يفهمها الجميع، لغة لا تحتاج إلى كلمات، فقط إحساس مشترك".

 

الفن وسيلة دمج وتغيير انطلقت فرقة "حالة" برؤية واضحة تهدف إلى تمكين الأطفال والشباب من ذوي الهمم من خلال الفن والموسيقى، باعتبارها وسيلة فعالة للدمج المجتمعي، وتسعى الفرقة إلى إعادة تشكيل النظرة المجتمعية تجاه ذوي الاحتياجات الخاصة عبر عروض موسيقية جماعية، تبرز إمكاناتهم وتدمجهم فعليا مع أقرانهم من الأطفال الطبيعيين في سياق فني مشترك. كما تضع الفرقة ضمن أولوياتها نشر الوعي بقضايا ذوي الهمم بطرق مبتكرة، وخلق بيئة فنية دامجة من خلال تقديم عروض موسيقية متميزة، ويعد التعاون مع فرق الفنون الشعبية جزءا أساسيا من رسالتها، حيث تعمل "حالة" على تقديم عروض استعراضية تمزج بين التراث الفني المصري وروح التعدد والاندماج.

 

قدمت فرقة "حالة" عددا من العروض المميزة في أبرز المواقع الثقافية والفعاليات الرسمية، وهو ما رسخ مكانتها كفريق فني فريد من نوعه، بدأت الرحلة بعرض استثنائي في قبة الغوري بمركز الإبداع الفني، ثم مشاركة مميزة ضمن فعاليات الدورة الـ56 من معرض القاهرة الدولي للكتاب، وتوالت المشاركات في مواقع مختلفة، مثل المركز الثقافي الذي احتضن احتفالات الفرقة السنوية لعامين متتاليين، بالإضافة إلى تقديم عروض مشتركة في ساقية الصاوي بالتعاون مع أكاديمية أمير إمام للإيقاعات الشرقية.

 

ولم تقتصر أنشطة الفريق على المسارح الثقافية، بل امتدت إلى المتاحف، كما في العرض الرسمي داخل متحف المركبات الملكية، والمشاركة في فعاليات التأهيل الاجتماعي التابعة للشؤون الاجتماعية بحي النزهة، من خلال تقديم عروض فنية في نادي النصر ونادي المعلمين بالجيزة. كما شاركت الفرقة في احتفالية اليوم العالمي للتوحد التي أقيمت بنادي الغابة، وواصلت نشاطها بتقديم عروض داخل عدد من فروع مكتبات مصر الجديدة العامة.

 

وكان من أبرز لحظات التقدير والاحتفاء الرسمي، مشاركة أحد أعضاء الفريق، الطالب عبد الله شريف، في مسابقة "بطل الحكاية" التي نظمتها وزارة التعليم العالي، والتي توج خلالها بالمركز الأول بحضور وزير التعليم العالي والبحث العلمي الأستاذ الدكتور محمد أيمن عاشور، في إنجاز يعد مصدر فخر لفرقة "حالة" وكل من آمن بقدراتها.

وتضيف هبة فتوح: "كل عرض نخوضه هو فرصة جديدة لتغيير النظرة، وفتح الأبواب أمام مزيد من الاندماج. الموسيقى تمنحهم صوتا يسمع، ليس فقط على المسرح، بل في المجتمع".

الكواليس: تدريب على أيد محترفة يشرف على تدريب الفرقة المايسترو أمير إمام، أحد أبرز مدربي الإيقاعات الشرقية في مصر، والذي يسهم في صقل مهارات الفريق ورفع مستوى الأداء الفني للعازفين، مع اعتماد تدريبات متخصصة تراعي الاحتياجات الخاصة لأعضاء الفريق.

"حالة".. أكثر من فرقة "حالة" ليست مجرد مجموعة فنية، بل مشروع اجتماعي وفني متكامل، يعكس طاقات كامنة لدى الأطفال والشباب من ذوي الهمم، ويؤكد أن الفن يمكن أن يكون جسرا حقيقيا للدمج والتفاهم.

تقول هبة فتوح في ختام حديثها: "نحلم أن تصل "حالة" إلى كل محافظة في مصر، وأن نكون نموذجا يحتذى به في العالم العربي، نريد اعترافا بقدرة ذوي الهمم على الإبداع والتميز".

فرقة "حالة" ليست فقط عرضا فنيا، بل تجربة إنسانية استثنائية. تساهم في تغيير واقع مئات من الأطفال، تمنحهم فرصة للظهور، وتقول بصوت عال: "نحن نراكم. نحن نؤمن بكم".