«كما تعلمون لا نملك قنابل نووية، ولا نملك حاملات طائرات، ولا احتياطات نفطية ضخمة، ولا يمكننا بمفردنا وقف حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل، لكن هذا لا يعنى أننا سنتوقف عن المحاولة»، تخيل أن هذه الكلمات القوية لم ينطق بها مسؤول ينتمى إلى لغة الضاد، ولكن «يرطن» بالإسبانى.
بروح وأنفاس دون كيخوت، وبظهير شعبى عريض قالها رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز ـ الذي يستحق وسام الاحترام الإنسانى فهو لم يدخر جهدًا فى مواجهة ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلى فى فلسطين المحتلة.
سانشيز لم يكتف بالتصريحات الإعلامية ـ رغم أهميتها ـ واتخذ قرارات عقابية ضد الكيان الصهيونى منها تعليق تصدير أية أسلحة أو معدات إلى إسرائيل أو الاستيراد من الدولة العبرية.
مواقف سانشيز المدهشة لم تقف عند حد السياسة والاقتصاد، وإنما وصلت إلى الرياضة عندما طالب الاتحادات الرياضية فى أوروبا بمنع مشاركة الفرق الإسرائيلية فى المسابقات الأوروبية!
رئيس الوزراء لم ينفصل عن شعبه الرافض لجرائم إسرائيل، ففى استطلاع رأى أجراه معهد إلكانو الملكى، أكد 62 فى المائة من المنتمين إلى تيار اليمين الإسبانى أن ما ترتكبه إسرائيل فى غزة «إبادة جماعية»، فيما اعتبر 85 فى المائة من أنصار تيار الوسط ممارسات إسرائيل «إبادة»، أما المنتمون إلى اليسار فقد أكد 97 فى المائة ممن استطلع المعهد الملكى آراءهم أن الاحتلال الإسرائيلى يمارس«إبادة جماعية» ضد الشعب الفلسطيني.
الشاهد من سرد مواقف حكومة إسبانيا الداعمة بكل قوة لحقوق الشعب الفلسطينى، هو أن استراتيجة المواجهة مع الكيان الصهيونى أو غيره، لا تعنى بالضروة إعلان الحرب العسكرية، لكن هناك أدوات ومراحل وتكتيكات متعددة تدخل ضمن استرتيجية المواجهة، فى محاولة لفرملة طغيان وغطرسة الاحتلال الإسرائيلى، بدلا من «استراتيجية المسافات المتساوية»، التي اتخذتها عدة دول عربية وغير عربية فى التعامل مع حكومة نتنياهو المتطرفة من جانب والطرف الفلسطينى الضحية من جانب آخر.
هذه الاستراتيجية شجعت مجرم الحرب المطلوب للعدالة الدولية على التمادى فى سياسة التطهير العرقى، الذي يستخدم نظرية السقف المتصاعد.
لكن الأغرب أن بعض الدول ــ للأسف الشديد ـ لم تكتف بالتعامل مع الكيان باستراتيجية المسافات المتساوية، وتورطت معه بعد أن غيرت جلدها وتضامنت مع الكيان سرًا.
وأخيرًا لم يجد مجرم الحرب سوى حائط الصد المصري الذي يقف صامدًا أمام تنفيذ مخطط تهجير أهل غزة من وطنهم، فلجأ إلى إعلان شكواه إلى واشنطن ليحرضها ضد مصر التي تتمسك بحفظ وحماية أمنها القومى.
وفى النهاية لا أفهم معنى كتابات بعض معارضى الخارج التي تشكك فى الموقف المصري، فالغمز واللمز فى ظل هذه الظروف المحيطة بالغة التعقيد والخطورة، لا يمكن وصفه إلا بوصفين لا ثالث لهما « إما الجهل وإما العمالة».. حفظ الله مصر من كل مكروه.
نقلًا عن صحيفة روزاليوسف



