"بلاغة الكود".. مدحت صفوت يفتتح عصر "الحداثة الفيروسية" لمواجهة مخاطر القرن الـ21
صدر حديثًا عن مؤسسة بيت الحكمة للصناعات الثقافية بالقاهرة كتاب جديد للناقد والباحث مدحت صفوت بعنوان: "بلاغة الكود.. الفنون والآداب في عصر المخاطر"، وهو عمل يفتح أفقًا نقديًا مغايرًا في التفكير حول علاقة الإبداع بالتكنولوجيا، ويطرح أدوات فكرية لمساءلة تحولات العالم تحت ضغط الأزمات المعولمة.
الكتاب لا يكتفي بتأمل انعكاسات التكنولوجيا والجوائح على الأدب والفنون، بل يغامر بتقديم مصطلحات ومفاهيم نقدية جديدة للساحة الثقافية العربية، على رأسها "الحداثة الفيروسية" التي تبنتها الأكاديمية الأمريكية إليزابيث أوتكا، لكن صفوت لا يوردها في سياق ترجمي محض، بل يطوّعها ويعيد تبيئتها لتصبح عدسة نقدية فاعلة تكشف أثر جائحة كورونا في إعادة تشكيل الوعي والإبداع.
يستند المؤلف إلى أطروحات عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني أولريش بيك، خصوصًا نظريتيه "مجتمع المخاطر" و"الحداثة الانعكاسية"، التي ترى أن المجتمعات الحديثة لم تعد تنتج الثروة وحدها، بل باتت تنتج وتوزع المخاطر أيضًا، وهي مخاطر عابرة للحدود وغير مرئية، تتجلى في الوباء كأبرز مثال.
في الفصل الأول "ما بعد الكورونا – ولادة الحداثة الفيروسية"، يعيد صفوت قراءة الوباء باعتباره "كودًا مشفرًا" كشف هشاشة النظام العالمي، وفرض كونية قسرية على البشرية. هنا، تنتقل البطولة من القوالب التقليدية إلى تفاصيل الحياة اليومية، ويصبح المتلقي شريكًا فاعلًا في إنتاج المعنى.
أما الفصل الثاني "فنون فضاءات القراصنة"، فيرصد التحولات التي أفرزتها الفضاءات الرقمية، حيث يلتقي الذكاء الإنساني بالفن الاصطناعي، ويولد "واقع هانتولوجي" شبحي يتجاوز الحدود بين الماضي والحاضر والافتراضي.
ويطرح صفوت في هذا السياق قراءة معمقة لظاهرة "موت الناقد"، موضحًا كيف فقد الناقد سلطته أمام هيمنة المؤثرين والشخصيات العامة التي باتت تتحكم في الذائقة الجماهيرية.
ويختتم المؤلف كتابه بالفصل الثالث "كرونولوجيا المبدع"، متتبعًا رحلة الفنان من القلق الوجودي إلى احتمالية الاعتزال الواعي، طارحًا سؤالًا محوريًا: "هل يمكننا صناعة مبدع في زمن الخوارزميات؟".
وهنا يعود إلى الجدل بين الموهبة الفطرية والصنعة المكتسبة، مسلطًا الضوء على الاعتزال كخيار وجودي لا يقل قيمة عن الإبداع نفسه.
يُحسب للكتاب أنه يجمع بين الجسارة الفكرية والصرامة المنهجية، إذ لا يكتفي بتوصيف الواقع بل يسعى إلى تفكيكه وصياغة بدائل نقدية تساعد القارئ على فهم تعقيدات "مجتمع المخاطر".
كما يضيف إلى رصيد صاحبه الذي سبق أن أصدر عددًا من المؤلفات النقدية منها: «السلطة والمصلحة.. استراتيجيات التفكيك والخطاب العربي»، و*«صوت الغزالي وقرطاس ابن رشد»، و«5×5 أشباح الحقيقة في السرد القصصي المعاصر»* الذي حاز به على جائزة الدولة في الدراسات النقدية واللغوية.
بهذا، يكرّس صفوت عبر "بلاغة الكود" حضورًا نقديًا يواكب لحظة فارقة في تاريخ الفكر والإبداع، حيث تتقاطع الفيروسات مع الخوارزميات، والخيال مع الخطر، في صياغة معالم قرن يزداد غموضًا وتعقيدًا.



