

محمد عبد الرحمن
فتحي عبد الوهاب مُدربًا
لكل من الحالتين جاذبية مختلفة تمامًا، الأولى أن تشاهد الممثل وهو يبدع على الشاشة، والثانية أن تتابعه وهو يدرب غيره على التمثيل، وعندما يكون الممثل في حجم موهبة وحضور وإمكانات فتحي عبد الوهاب فإن الاستماع له كـ"مدرب أداء" يفتح آفاقًا أوسع لفهم طبيعة هذه المهنة المثيرة للخيال والجدل وتعدد الآراء في كل المجتمعات وإن كان العاملون بها يعانون أكثر في أسواق الفن العربية.
حضرت "محاضرتين" لفتحي عبد الوهاب، الأولى في مهرجان وهران للفيلم العربي قبل عام، والثانية أمس السبت ضمن نشاط مهرجان إيزيس لمسرح المرأة في دورته الثالثة، وأقول "محاضرتين" لأني وجدته أكثر حرصًا على "ضبط المصطلحات"، فيما يعتبر الكثيرون أن مجرد وجودهم في قاعة تدريب ولو لنصف ساعة "ورشة عمل".
قدم عبد الوهاب ورشة امتدت لأسبوعين في دبي بالفعل، فيما تعامل مع محتوى اليوم الواحد باعتباره "محاضرة" أو "ماستر كلاس"، كما تقلد المهرجانات العربية نظيراتها الأجنبية، لكن حتى على مستوى محاضرة اليوم الواحد كان هناك اختلاف في "التكنيك" استخدمه المدرب فتحي عبد الوهاب، كما يفعل أمام الكاميرا في كل أدواره فلا تجد "لقطة مكررة" أو "شخصية مستهلكة" أو "ردة فعل متوقعة".
في مهرجان وهران بالجزائر كان العدد محدودًا في مسرح عبد القادر علولة، فصعد عبد الوهاب والمتدربون على خشبة المسرح ليحصلوا خلال 6 ساعات على كورس مكثف في الأداء، خصوصًا المرتبط باستعداد الممثل النفسي والشعوري لأداء الشخصية وكيفية اكتساب الخبرات عملًا تلو الآخر.
في مهرجان إيزيس لمسرح المرأة، وقف عبد الوهاب وحيدًا على خشبة مسرح الريحاني، فيما جلس العشرات أمامه ليدور حوار معظمه من ممثلين صاعدين حول تفاصيل دقيقة في فهم الشخصية والاستعداد لها قبل الدخول للبلاتوه.
الشق النظري هذه المرة ساعدني أكثر على تدوين أفكار عبد الوهاب التي بدأها بضرورة أنه على الممثل وهو في بدايات التعرف على الشخصية أن يقرر ما إذا كان سيمثل الشخصية أو سيكون هو الشخصية، ضاربًا المثل بشخصيته في "المداح 4"، حيث "العفريت" وهو شخصية خيالية بالتالي سيمثلها من المدخل الذي يناسبها ويجعل الجمهور يتفاعل معها وإن كان الكل يعلم أنه لا يوجد "عفريت" في الحقيقة يكون "مرجعًا" لما سيقدمه، فيما "حمادة كشري" في "ظلم المصطبة" شخصية تفاصيلها ليست جديدة على المتفرجين، الرجل الذي يعامل زوجته بشدة ويشك فيها ويقاتل من أجل الإبقاء عليها، هنا كان عليه أن يكون "حمادة كشري" ليقنع المتفرج بأن شخصية جديدة وغير مسبوقة تتحرك أمامه.
مقارنة ربما تعكس لماذا يقدم كثير من الممثلين شخصيات متشابهة لكننا نتذكر عددًا محدودًا منها بسبب أداء الممثل، وبالتأكيد توجيه المخرج الذي تحدث عبد الوهاب أكثر من مرة عن أهميته للممثل ودوره في جعل الممثل "أداة توصيل جيدة".
عبد الوهاب تحدث مع الحضور بتوسع عن أهمية فهم الشخصية والدخول إليها بهدوء والتفاعل معها وجدانيًا، الاستماع لها والشعور بها، وكل ذلك في مرحلة ما قبل البروفات، حتى يمكن الممثل لاحقًا من التعبير عنها سواء اختار أن يمثلها أو يكون هو الشخصية.
عن مناهج التمثيل المتعددة دار أكثر من سؤال، وكرر المُدرب فتحي عبد الوهاب أن الممثل المتفرد مستحيل أن يطبق منهج تمثيل محددًا، وإلا تحول إلى "كاراكتر ثابت" طريقة أدائه متوقعة، يتذكر الناس اسمه لا أسماء الشخصيات التي يقدمها، كما رفض عبد الوهاب أن يحدد الممثل منهجًا لكل دور جديد، مؤكدًا أن العملية أكثر تعقيدًا من ذلك، وليس مجرد 1+1 = 2، بل لكل شخصية مدخلها واستعداداتها الخاصة، مؤكدًا أنه حتى على مستوى الكوميديا يجب أن يكون للممثل استعداد خاص لتجسيد الشخصية وليس فقط الاعتماد على إلقاء الإيفيهات، ضاربًا المثل بفيلم "إشاعة حب"، ممتد النجاح حتى الآن، لأنه ليس "سلسلة من النكات" وإنما مواقف راسخة دراميًا تجعل إنتاج الضحك عابرًا للأجيال.
"مفيش في الفن صح وغلط"، لكن "هناك ثوابت يجب احترامها"، مثل ألا يؤدي الممثل شخصية تتناقض مع سماته الجسدية، فيما طريق الاجتهاد مفتوح ليتعامل كل ممثل مع الشخصية من الزاوية المناسبة له، لهذا لم يقدم عبد الوهاب نصائح في شكل "كبسولات" للحاضرين، بل طالبهم بالثقة في موهبتهم أولًا، والعمل على تفادي "ثغرات الأداء" ثانيًا، ثم ترك أنفسهم للخبرات والتراكمات والانفتاح على كل المدارس والمناهج من أجل ترك بصمة مميزة في ذاكرة المتلقي وهو الهدف الذي يسعى له أي مبدع ممثلًا كان أو غير ذلك.