

جمال عبدالصمد
"أكتوبر".. تاج رؤوسنا
تمر السنوات وتتعاقب الأجيال وتزخر صفحات التاريخ بالذكريات والبطولات، ورغم ذلك تبقى الملحمة الوطنية "حرب أكتوبر العظيمة" هي العلامة المضيئة في سجل البطولات التاريخية، غدا سوف نحيي الذكرى الثانية والخمسين لحرب الكرامة والعزة، والتي تحولت من معركة حربية إلى تاج يزين رؤوس المصريين والمنطقة العربية بأكملها، الأمر الذي جعل شهر أكتوبر حافلا بالفاعليات والاحتفالات الوطنية المتنوعة، التي تعكس قيمة حرب أكتوبر، ومدى تأثيرها في نفوس الأجيال المختلفة.
تلخص هذه الذكرى العزة التي غمرت الأمة العربية بفضل هذا النصر العظيم، وهي أيضا مصدر الفخر خاصة بعد أن أسهمت هذه الحرب في إعادة الثقة بالنفس للأمة العربية بأسرها، وعندما أصف هذه الحرب بالتاج الذي يزين رؤوس المصريين والمنطقة العربية بأكملها، ليس المقصود من كلامي هنا تحقيق الانتصار فقط بل إنه يشمل معاني كثيرة فهي تاج الإرادة والتحدي والإصرار خاصة بعد أن تمكنت من تحطيم خط بارليف المنيع وكسر غطرسة العدو الصهيوني، كما كانت تاج الكرامة الوطنية بعد أن أنهت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، على يد رجال مصر البواسل، الذين لقنوا العدو درسًا قاسية لن ينساه. كما كانت تاج القدرات العسكرية العبقرية التي نفذت بدقة متناهية من حيث التخطيط الاستراتيجي، والتنظيم والقيادة، وخطة الخداع الاستراتيجية، وتعكس مدى التنسيق وتوزيع المهام بين مختلف الأسلحة، وغيرها من قدرات إبداعية باهرة حققت إنجازات عظيمة، كما كانت حرب العاشر من رمضان تاج التضحية والفداء، حيث جسدت أسمى معاني الشجاعة لجنود مصر الذين قدموا أرواحهم ودماءهم فداءً للوطن.
هذا ولم تتوقف الحروب منذ هذه الفترة عند هذا الحد فقط، بل شهد العالم خلال السنوات الماضية حروبا من نوع خاص وتنوعت أجيال الحروب، ولكن مصر لم تقف مكتوفة الأيدي بل ما زالت تواجه هذه الحروب الخفية التي تستهدف العقول والوعي الوطني وتماسك المجتمع، كما تبنت الدولة المصرية استراتيجية شاملة متعددة الأبعاد لمجابهة كل العمليات الخبيثة التي تستهدف العمود الفقري للدولة، وهم الشباب المصريون الذين أثبتوا أنهم الركيزة الأساسية في الدولة، لذلك قامت مصر بتمكينهم وزيادة وعيهم، وتعزيز دورهم في صنع القرار، فهم أعمدة الحاضر وقادة المستقبل ووقود التنمية.
ختامًا.. لم تكن ذكرى حرب أكتوبر مجرد إجازة رسمية مخصصة للاحتفال بانتصار عسكري عابر، بل هى عيد قومي وحدث بطولي مهم يفخر ويتباهى به كل عربي في المنطقة، وذلك لكون هذه الملحمة محطة فارقة ونقطة تحول بما تضمنته من دروس وعبر لعبت دورًا مهمًا في إنارة الطريق وإنعاش ذاكرة الأجيال المتعاقبة، علمًا بأن حرب العاشر من رمضان لم تعد ذكرى تاريخية فحسب، بل تحولت إلى منهج يُلهم الشباب المصري بخاصة والعربي عامة بأهمية العزيمة والإرادة، التضحية والفداء، والإصرار والثقة بالنفس، والعزة والكرامة، والانتماء والإيمان بالوطن، والتي أهّلتها لكي تصبح تاج رؤوسنا.
أخيرا.. تم وصف مصر بالعديد من الصفات وأطلقوا عليها الكثير من الألقاب ولكنها بمرور السنين لها موقف ودور مهم بالمنطقة العربية ليس له نهاية، وخير دليل على ذلك تبنيها الدفاع عن القضية الفلسطينية حيث جعلت العالم بأكمله يعي أن بلدنا الحبيبة مصر ليست أم الدنيا فقط بل هي الدنيا نفسها، وهذا ما يؤكده الجميع، فعندما نحتفل بذكرى حرب السادس من أكتوبر، تنتعش الذاكرة العربية بالملحمة الوطنية والبطولية لجنود مصر البواسل، الذين سطروا التاريخ بحروف من ذهب.