

مروة فتحي
كله ضرب ضرب!
متى ترعرع في وادينا الطيب كل هذا الكم من العنف؟! متى أصبحت بين الحين والآخر تظهر واقعة تهز الرأي العام؟.. أليست الشخصية المصرية، عبر تاريخها، معروفة بسماحتها وودها، وبميلها إلى الفكاهة واللطف، وبما تتميز به من شهامة ونبل؟ ألم يكن المصري دومًا يواجه الصعاب بروح الجماعة والابتسامة، لا بالعنف ولا بالقسوة؟
في الأسابيع الأولى من العام الدراسي، سجلت بعض الوقائع الفردية التي تسلط الضوء على ضرورة الانتباه أكثر للبيئة التعليمية، فقد سمعنا عن أولياء أمور اعتدوا على معلمين، مدير مدرسة تحرش بطالبة، معلمة تضرب تلميذًا، طالب يتنمر على زميله.. وغيرها من الحوادث التي وإن كانت محدودة العدد، فإنها تستدعي الوقوف أمامها والتعامل معها بحسم كبير وحزم واضح حتى لا تستشري وتتوغل في مجتمعنا كالوباء.
العنف المدرسي يعرف بأنه كل سلوك عدواني متعمد، لفظي أو جسدي، يتم ممارسته داخل البيئة التعليمية، ويستهدف إلحاق الأذى بالآخرين أو السيطرة عليهم أو إذلالهم، ويأخذ هذا العنف أشكالًا متعددة؛ من الضرب والإيذاء البدني، إلى التنمر والسخرية والتحرش والإقصاء الاجتماعي، بل وحتى الإهمال أو التقليل من شأن الطلاب، هذه الممارسات، وإن كانت فريدة ومحدودة، فإنها تؤثر على المناخ التعليمي وتخلق مناخًا من التوتر والخوف، ويضعف التحصيل الدراسي، ويفقد المدرسة دورها الأساسي كبيئة داعمة للتربية والتعلم الآمن.
العنف المدرسي ليس زرعًا شيطانيًا، لكنه غالبًا ما يكون نتاج عوامل فردية مرتبطة بالأشخاص والظروف المحيطة بهم، فالمعلم الذي يفتقر إلى التدريب النفسي والتربوي قد يلجأ للعقاب البدني كوسيلة للسيطرة، والطالب الذي يعيش ضغوطًا أسرية أو اقتصادية قد يفرغها في شكل عدوان على زملائه، كما أن غياب الأنشطة المدرسية الجاذبة، وضعف الرقابة كلها عوامل تشكل بيئة خصبة لانتشار العنف وتغلغله في ثنايا الصفوف والمدارس، ولا يمكن إغفال تأثير المحتوى الإعلامي والدرامي الذي يطبع في أذهان الأطفال والمراهقين مشاهد عنف متكررة قد تؤثر في سلوكياتهم.
ورغم محدودية هذه الحالات، فإن آثار العنف المدرسي، لا تقتصر على اللحظة التي يحدث فيها، بل تمتد لتترك ندوبًا يصعب شفاءها في نفوس الطلاب، فقد يعاني الضحية من اضطرابات القلق والاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس، مما ينعكس على تحصيله الدراسي وطريقة تفاعله الاجتماعي، كما يسهم ذلك في خلق بيئة تعليمية غير آمنة إذا لم يتم التعامل معها بجدية، ولهذا، لا بد من وضع آليات واضحة وسريعة للتعامل مع أي واقعة، وتطبيق اللوائح بحزم لحماية الطلاب والمعلمين على حد سواء.
الحل يبدأ من الأسرة اولًا، فهي النواة الأساسية التي يجب أن تتحمل مسؤوليتها في متابعة ومراقبة ما يتعرض له الأبناء من محتوى مليء بالعنف، مع غرس قيم التسامح والاحترام منذ الصغر، وعلى المدرسة أن تطبق اللوائح والقوانين، كما يجب الاهتمام بتدريب المعلمين على أساليب التربية الإيجابية القائمة على الحوار لا العقاب، وتعزيز الأنشطة الرياضية والفنية في المدارس لتكون ملاذًا لتفريغ طاقات الطلاب بشكل صحي وآمن، ولا يقل أهمية عن ذلك تفعيل دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي داخل كل مدرسة بشكل فعلي وحقيقي.
المدارس في مصر ليست ساحة للعنف، وما يتم رصده من حوادث يبقى محدودًا مقارنة بملايين الطلاب والمعلمين الذين يتعاملون يوميًا داخل منظومة تعليمية ضخمة، لكن تبقى مسؤوليتنا أن نمنع هذه الحالات الفردية من التحول إلى نمط متكرر، وأن نضمن أن تظل مدارسنا بيئة آمنة يتعلم فيها الطلاب بلا خوف، وبحب وشغف للتعلم.