السراج المنير.. رحلة الدكتور أحمد عمر هاشم بين العلم والدعوة والتصوف
في سجل العلماء الربانيين الذين خدموا الإسلام بعلمهم وجهدهم وإخلاصهم، يسطع اسم الدكتور أحمد عمر هاشم – رحمه الله تعالى – كأحد أبرز رموز الأزهر الشريف، وعَلَم من أعلام الدعوة والفكر الوسطي، جمع بين الفقه بالعلوم الشرعية، والغيرة على الدين، والحرص على الأخلاق، والدفاع عن السنة النبوية، ونشر روح التصوف العلمي الرشيد.
وُلد الدكتور أحمد عمر هاشم في محافظة الشرقية عام 1941، ونشأ في بيتٍ محبٍّ للقرآن والعلوم الشرعية، فحفظ القرآن الكريم صغيرًا، والتحق بالأزهر الشريف حيثُ تدرّج في مراحل التعليم حتى حصل على الدكتوراه في الحديث وعلومه من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر عام 1973م، وكانت رسالته العلمية من أوائل الرسائل التي تناولت منهج المحدثين في نقد الرواية، الأمر الذي عكس منذ بداياته اهتمامه العميق بالسنة النبوية ومناهج دراستها.
العالم الأكاديمي والداعية الميداني
تدرّج الدكتور أحمد عمر هاشم في العمل الأكاديمي بالأزهر حتى صار أستاذًا للحديث وعلومه، ثم عميدًا لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ثم رئيسًا لجامعة الأزهر الشريف، وهي المرحلة التي شهدت نهضة علمية وإدارية بارزة، حيث كان حريصًا على ربط التعليم الأزهري بالواقع، وتفعيل دور الجامعة في خدمة قضايا الأمة، ونشر رسالة الأزهر في الداخل والخارج.
كما شغل عضوية مجلس النواب المصري ومجلس الشيوخ، وكان من الأصوات الأزهرية البارزة تحت قبة البرلمان، مدافعًا عن القيم الإسلامية، وداعمًا لقضايا المجتمع بروح العالم والمربي لا بروح السياسي. وظلّ طوال حياته عضوًا فاعلًا في هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، مسهمًا في إصدار الفتاوى، ومشاركًا في صياغة الرؤية الوسطية للأزهر في مواجهة الفكر المنحرف.
مؤلفات خالدة وإرث علمي واسع
ترك الدكتور أحمد عمر هاشم مكتبة عامرة بالمؤلفات التي تناولت قضايا العقيدة والحديث والسيرة والأخلاق والتصوف، فكانت كتبه تجسيدًا حيًا لمنهجه الوسطي المتوازن، ومن أبرزها: النبوي في تعليم المسلمين، تيسير مصطلح الحديث، الأخلاق في ضوء القرآن والسنة، قصص السنة، ديوان شعر (نسمات إيمانية)، مكانة الحرمين الشريفين، زاد الداعية، قيم ومفاهيم في ضوء الإسلام، من الشمائل النبوية، النفس في القرآن الكريم، دراسات في علوم الحديث، من الخصائص النبوية، الأسرة في الإسلام، الإعلام الديني في مناهضة الظواهر السلبية، انحرافات الشباب الفكرية: الأسباب والعلاج، من آداب النبوة (جزءان)، الإمام الشعراوي مفسرًا وداعية، وسطية الإسلام، فريضة الصيام في ضوء الكتاب والسنة، كتاب العلم للإمام أبي حامد الغزالي (تحقيق)، الشفاعة ورد الشبهات، الإسلام ومكارم الأخلاق، فيض الباري في شرح صحيح البخاري (في خمسة عشر جزءًا)، التضامن في مواجهة التحديات، أصحاب الجنة (ديوان شعر)، التشريع الإسلامي: مصادره وخصائصه، مفاهيم دينية (ثلاثة أجزاء)، سبل السلام (تحقيق)، نحو اقتصاد إسلامي صحيح، مجمع الزوائد (تحقيق)، التراث الطبي النبوي، المؤسسات الإسلامية وأهمية التنسيق بينها، التوجيهات النبوية في المعاملات المالية، أبناؤنا بين الماضي والحاضر، الإسلام في مواجهة الانحراف الفكري، الإمام المراغي وجهوده في الدعوة، الإمام محمود شلتوت وجهوده في التقريب، نصر الرسول صلى الله عليه وسلم، البيت الحرام، الإسلام دين التسامح، الإمام الخضر حسين ودفاعه عن الإسلام، المسجد ومكانته في الإسلام، موسوعة الأحاديث الصحيحة، الطريق إلى اتحاد الأمة.
ولم تتوقف عطاياه عند التأليف، بل كان حاضرًا بقوة في المنابر الدعوية والإعلام الديني، مقدّمًا مئات الحلقات التلفزيونية والبرامج الإذاعية، ومشاركًا في المجالس العلمية والندوات والمؤتمرات داخل مصر وخارجها، مناديًا بالدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ومحذرًا من الغلو والتطرف، وداعيًا إلى نشر الأخلاق والرحمة في التعامل مع الناس.
دعمه للتصوف العلمي ومواجهة الفكر المتشدد
في إطار جهوده الدعوية والعلمية، كان الدكتور أحمد عمر هاشم – رحمه الله – من أبرز المدافعين عن التصوف السني الصحيح، الذي يقوم على تزكية النفس والالتزام بالشرع، لا على البدع أو الانحرافات. وقد أكد في أكثر من مناسبة أن التصوف الأصيل كان عبر التاريخ من حُماة السنة النبوية، وأن أهل التصوف نشروا علوم الدين، وواجهوا الانحراف الفكري والبدع المحدثة. ومن أبرز مواقفه في هذا السياق مشاركته في الندوة العلمية التي نظمتها مؤسسة البيت المحمدي بالمقطم، حيث أشار إلى أن التصوف يمثل مدرسة روحية تسعى لإحياء القيم الإيمانية وتربية القلوب على الإخلاص والرحمة، داعيًا طلاب الأزهر ومريديه إلى الاقتداء بالصالحين، والعمل على نشر الفكر الوسطي، وفضح محاولات التشويه التي يمارسها المتشددون باسم الدين.
وفاء الأزهر لعلمائه
وعندما رحل العالم الجليل عن دنيانا، شيّعه فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في جنازة مهيبة أقيمت في الجامع الأزهر، وسط حضور الآلاف من طلاب العلم ومحبيه وتلاميذه من داخل مصر وخارجها، في مشهد يليق بعالِمٍ حمل لواء الأزهر لعقودٍ من الزمن، وأفنى عمره في خدمة الدعوة والتعليم.
خاتمة: عالم من نور لا ينطفئ
وهكذا يمضي الزمان وتبقى سيرة الدكتور أحمد عمر هاشم منارة تهدي الباحثين والدعاة وطلاب العلم. فقد كان – بحق – سراجًا منيرًا يضيء العقول والقلوب، يجمع بين العلم والعمل، بين المنهج الأزهري الأصيل والروح الصوفية الراقية، بين الدفاع عن السنة والحرص على وحدة الأمة.
رحم الله الدكتور أحمد عمر هاشم، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجعل علمه صدقةً جارية، ونوره مشكاةً لا تخبو، وسيرته درسًا خالدًا في معنى أن يكون العالم وريثًا حقيقيًا للنبوة.



