السبت 20 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

أمين عام "البحوث الإسلامية": الإيمان والعلم طريقان متكاملان

الدكتور محمد الجندي
الدكتور محمد الجندي

أكد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية الدكتور محمد الجندي أن الإيمان حق ظاهر، لا يُصنع ولا يُكتسب؛ لأنه مغروس في أعماق الإنسان، بينما الإنكار طارئ زائل، مشددا على أن الإيمان والعِلم طريقان متكاملان لا متعارضان، فالعِلم دليل على الإيمان، والدين لا يُقصي العِلم، والعلم لا يُلغي الدِّين؛ فكلاهما يكشفان عن جمال الخلق ودقَّة النظام الكوني الذي يدلُّ على وجود الخالق سبحانه وتعالى، وأن الإشكال الحقيقي ليس بين الدين والعلم؛ وإنما بين الجهل بالدين وسوء فهم العِلم.

 

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية خلال افتتاح فعاليات الأسبوع الـ12 للدعوة الإسلامية، والذي تعقده اللجنة العُليا للدعوة في جامعة بنها، تحت عنوان "الإيمان أولا"، وبرعاية فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وبحضور فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر، وناصر الجيزاوي رئيس جامعة بنها، وجيهان عبدالهادي نائب رئيس جامعة بنها، والدكتور حسن يحيى الأمين العام المساعد للجنة العُليا لشؤون الدعوة بالمجمع، ووفد من المنطقة الأزهرية ومديري منطقة الوعظ بالقليوبية.

وقال الدكتور محمد الجندي "إن الإيمان أولا؛ لأنه الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والفطرة السليمة لا تحتاج إلى دليل معقد؛ بل إلى قلب نقيّ صادق يبحث عن الحقيقة.. وكل إنسان يُولَد على الفطرة طاهرًا نقيا، ثم تعبث به مؤثرات البيئة والواقع، فتكدر صفاءه، وتزحزحه عن بساط النور الذي ولد عليه".

وأضاف: أن المنكِرين للإيمان يزعمون أن الكون بلا خالق، وأن المادة أزلية، وأن الإنسان مجرد كتلة مادية تخضع لقوانين الطبيعة، غير أن علماء التجريب أنفسهم انتهوا إلى ضرورة الإيمان بوجود الخالق، ومنهم عالِم الطبيعة البيولوجية (فرانك ألن)، الذي قرر أن نشأة العالَم لا يمكن أن تكون مصادفة، بعد أن تأمل تركيب البروتينات المعقدة التي يبلغ عدد ذراتها في الجزيء الواحد 40 ألف ذرَّة منتظمة بدقة مدهشة، تدلُّ على إرادة خالقة، لا على صدفة عمياء.

وأوضح أن العالم روبرت بيج أثبت في مقاله "اختبار شامل" أن اختبار صحة أي فرض يستلزم التسليم المبدئي بصحته، مبينا أن وجود الله لا يُختبر بالأدوات المادية؛ لأن الإله لا ينتمي لعالَم الحس، لكن الإنسان إذا توجه بقلبه وعقله إلى الله بصدق انكشف له وجه الحقيقة وغمره نور الإيمان.

وتابع: أن العالِم الفيلسوف ميريت ستانلي أكد أن الإيمان سابق والإنكار لاحق، وأنَّ العلماء عندما يدرسون ظواهر الكون فإنهم لا يفعلون أكثر من ملاحظة آثار قدرة الله في خَلْقه، مشددا على أن العلوم المادية مهما بلغت فلن تستطيع أن تنفي وجود الله؛ بل تشهد له في كل ذرة من ذرات الكون، مستشهدًا بقوله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، وقوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا}. وأردف الدكتور محمد الجندي أن "الفطرة دليل أصيل على الإيمان؛ إذْ يلجأ الإنسان إلى خالقه في أوقات الشدة، سواء أكان مؤمنا أم منكرا، مصداقا لقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا}"، مؤكدا أن هذا النداء الفطري هو أصدق برهان على أن الإيمان مغروس في النفْس البشرية منذ البدء.

وبين أن المعرفة إذا انقطعت عن الفطرة أصابها ما يُشبه هشاشة العظام؛ فلا تقوم بها عقيدة ولا تُبنَى عليها رؤية، لافتًا إلى أنَّ النصوص الشرعية دلت على وجود هذا المكون الفطري؛ كما في قوله تعالى: {فِطْرَة اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، وقوله سبحانه: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً}، وحديث النبي (ﷺ): "ما مِن مولود إلا يُولَد على الفطرة".

ولفت إلى أن هذه الفطرة قد يعرض لها أحيانا ما يشوهها، فيلزم حينها النظر والاستدلال، واستخدام الأدلة كافة التي تسوق صاحب النزعة المادية إلى القناعة الحسية والعقلية بوجود الله تعالى، موضحا أن دلالة الفطرة على وجود الله تعالى تتجلَّى في عدة مستويات؛ أولها: المبادئ العقلية الأولية التي تقرر أن لكل مسبب سببًا ولكل حادث محدثًا، وثانيها: النزعة الأخلاقية التي تحمل الإنسان على إدراك قيمة العدل والخير كقيم مطلقة لا نسبية، وثالثها: الجانب الغريزي الذي يوجه المخلوقات فطريا لما ينفعها، ورابعها: الشعور بالغائية الذي يدفع الإنسان إلى التساؤل عن الغاية مِن وجوده ومصيره، وهو تساؤل لا يجد جوابه إلا بالإيمان بخالق حكيم.

ونوه إلى أن الإنسان يولد مفطورًا على الإيمان بالله؛ كما شهد على نفْسه في الميثاق الأول بقوله تعالى: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}، وهي شهادة باقية في أصل الخلق.. واختتم، كلمته، بتأكيد أن الدين (بمقتضى العقل والنقل والعِلم) حقيقة فطريةٌ مغروسةٌ في النفس الإنسانية، ومسجلة في الجينات البشرية، وأن كل مظاهر الكون والعقل والعِلم تصدح في النهاية بعبارة واحدة "الإيمان أولا"

تم نسخ الرابط